وتضريب أعناق الملوك وأن ترى ... لك الهبوات السود والعسكر المجر
وكأن أبا الطيب بقوله: «صنا قوائمها عنهم» يتندم على تركه قتالهم واستبداله ذلك بالتقرب منهم فحسبوه عجزًا «وفي التقرب ما يدعو إلى التهم» وكأنه يعتذر مع ذلك بأن ما ترك من قتلهم أو قتالهم إنما كان صيانة لهذه السيوف. فإلى متى هذه الصيانة؟ لا عجب إذن أن بادر أعداؤه فقتلوه مرجعه من عضد الدولة. فقد جمع من المال وبعد السمعة ما كان عسى أن يهيئ له سبيل الوثوب- على أني أرجح أن هوس طلب السلطان الذي اتهمه به أبو منصور ما كان إلا أحلام شاعر وأن معاركه التي خاضها أو كان ينبغي بعد أن يخوضها ما كانت إلا معارك هذا القريض. وصدق الله عز وجل: {يقولون ما لا يفعلون}.
هون على بصر ما شق منظره ... فإنما يقظات العين كالحلم
برفع منظره أي ما بدا شاقًا كريهًا فليهن أمره عندك إذ هذه الدنيا ما هي إلا حلم، ومن نصب منظره عمم المعنى، أي كل ما تراه فليهن عليك إذ حقائق هذه الدنيا كباطل الأحلام
ولا تشك إلى خلق فتشمته ... شكوى الجريح إلى الغربان والرخم
ذكر الغربان مفردها وجمعها كثير عند أبي الطيب. وهنا لا يخلو من أن يكون فيه صدى من غربان علقمة التي هي طير في أول الميمية (عقلاً ورقمًا تظل الطير تخطفه) وهي غربان سافرة في آخرها حيث قال: (ومن تعرض للغربان يزجرها البيت)
وكن على حذر للناس تستره ... ولا يغرك منهم ثغر مبتسم
هذا المعنى يتكرر عند أبي الطيب «إذا رأيت نيوب الليث» «ولما صار ود الناس خبا»
ولا تشك إلى خلق فتشمته ... شكوى الجريح إلى الغربان والرخم
وكن على حذر للناس تستره ... ولا يغرك منهم ثغر مبتسم
غاض الوفاء فما تلقاه في عدة ... وأعوز الصدق في الأخبار والقسم
ثم تبلغ الحكمة ذروتها في قول بعد، ويخالط ذلك نفس المأساة والغناء الحزين: -
سبحان خالق نفسي كيف لذتها ... فيما النفوس تراه غاية الألم
الدهر يعجب من حملي نوائبه ... وصبر نفسي على أحداثه الحطم
يقول شكسبير في كلمته المشهورة على لسان هامليت: (٣ - ١ - س ٥٦ - ٩٠)
To be or not to be: That is the question