البقاء أم اللابقاء- ذلك هو السؤال
في السطر (٧٦) ... ... who would fardels bear,
من كان يحتمل هذه الأعباء (١) ...
هل اطلع شكسبير على قول أبي الطيب: «الدهر يعجب من حملي نوائبه؟ » أليست في حكمته في هذه القطعة من مشهور قوله أنفاس من أصداء حكمة أبي الطيب:
وقت يضيع وعمر ليت مدته ... في غير أمته من سالف الأمم
أتى الزمان بنوه في شبيبته ... فسرهم وأتيناه على الهرم
فيزعم بعض البلاغيين أنا ها هنا إيجازًا بالحذف أي فساءنا والمعنى يفسد بهذا التفسير، والصواب أن نأخذه كما أعطاه الشاعر، ومن أتبعه «فساءنا» تفسيرًا له فقد حد من سعة آفاقه.
ما أشد تقلب قلوب البش ولا سيما الشعراء. قد قال أبو الطيب في مقطوعة له نونية نظمها بمصر قبل نظمه هذه الميمية:
صحب الناس قبلنا ذا الزمانا ... وعناهم من شأنه ما عنانا
تولوا بغصة كلهم منـ ... ـه وإن سر بعضهم أحيانا
فهل أراد بقوله: «أتى الزمان بنوه في شبيبته فسرهم» تفسير قوله من قبل «وغن سر بعضهم أحيانا» فهؤلاء البعض، إنما كان سرورهم على زمان شبابه وهو المرموز له بقوله «أحيانا»، أو رجع أبو الطيب عن ذلك القول بنسبة العناء والشر إلى زمانه هو؟ ها هنا تقلب قلب الشاعر. وذلك أن روح الميمية روح حزن وغضب وهجاء.
وقد صار من بكاء فاتك وهجاء حاسده الخصي الأوكع إلى الأسف على نفسه والعبرة بموت فاتك وهجاء الناس كلهم، فكلهم خصي أوكع ودهرهم هرم برم.
وما خلا أبو الطيب في اختتامه هذه الميمية الرائعة بالزمان الهرم من تأثر بأواخر أبيات ميمية علقمة حيث ذكر النوق الحسان ومعها صغارها تتزعم ووراءها فحل أكلف مختبر كثير اللحم.
(١) وأن ينوء بأعباء الحياة لولا خوفه ما بعد الموت إلى آخر ما قاله. وقد أدخل فيه من معنى قول أبي الطيب «فإن لثالث الحلين معنى». انظر ما يلي.