فحل علقمة فتي قوي ضخم كالفيل أسود كالليل الظليل ليس بأسيود رهل خصي رخو مداهن ككافور وأشباه كافور ممن ليسوا بسود ولا خصيان ولكنهم - أو كما قال:
كأن الأسود اللابي فيهم ... غراب حوله رخم وبوم
رحم الله أبا الطيب. إنما كان شارعًا عظيم الخيال ضعيف المحال.
وقد كان ناقدًا ذواقة مبينا عالما بمكان نفسه من ذلك كله عالما أيضًا بأنه غير مصيب على ما يحسنه من جزاء مكافئء له. وقد أحسن إذ يقول لسيف الدولة:
ومالي ثناء لا أراك مكانه ... فهل لك نعمى لا تراني مكانها
وكأن قال «وكم لك من نعمى أنا استحقها وعداي الذين سيتغلبون على آخر الأمر عندك لا يرونني أهلا لذلك ولا مكانا له».
وفي هذه النونية أبيات جياد في نعت بعض ما كان من زخارف وتصاوير على ما أهدى له سيف الدولة من ثياب الدياج.
ترينا صناع الروم فيها ملوكها ... وتجلو علينا نفسها وقيانها
ولم يكفها تصويرها الخيل وحدها ... فصورت الأشياء إلا زمانها
وهذا من عجيب القول وبعيد أغواره إذ الزمان هنا عنده بعد من الأبعاد عجز الرسام أن يقيده أو يرمز له بقيد كما قد فعل بالبعاد المكانية.
وما ادخرتها قدرة من مصور ... سوى أنها ما أنطفت حيوانها
فهذا ينقل معني حيوية ما صورته من حيوان إذ لم تدخر قدرة تصويرية إلا أتت بها إلا أن ينطق الحيوان. وما خلا أبو الطيب هنا من أخذ دقيق من قول أبي عبادة
يغتلى فيهم ارتيابي حتى ... تتقراهم يداي بلمس
هذا
ومن أعجب شعر أبي الطيب ميميته:
ملومكما يجل عن الملام ... ووقع فعاله فوق الكلام
وهي قصيدة عتابية، عاتب بها كافورا كما عاتب سيف الدولة «بواحر قلباه» من قبل، غير أنه رام فيها أن يكون ألأبق، وأبعد عن تهمة إساءة الأدب بالأدب، فلم يكافح كافورا بخطاب. كلا ولم يقارب أن يكافحه بتلميح. ومع هذا فقد روى عنه أنه