للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال «كنت إذا دخلت على كافور أنشده، يضحك إلى ويبش في وجهي حتى أنشدته هذين البيتين يعني:

فلما صار ود الناس خبا ... جزيت على ابتسام بابتسام

وصرت أشك فيمن اصطفيه ... لعلمي أنه بعض الأنام

فما ضحك بعدها في وجهي إلى أن تفرقنا. فعجبت من فطنته وذكائه». قلت إن صحت هذه الرواية فإنها لا تدل على ذكاء كافور ولكن على غفلة أبي الطيب، إذ البيتان واضحا الدلالة على إرادته كافروا إن صح ما ذكره عنه أنه كان يضحك إليه ويبش في وجهه وبعيد عن أبي الطيب أن يكون في مثل هذا الموضع صاحب غفلة.

وفي هذه القصيدة أشياء تعمد بها التعريض بالفراق. وأشياء أفلتت منه فيها تعريض بالهجاء. وينبه ها هنا على أن أبا الطيب لم يضمن شيئًا من الهجاء في كلماته اللواتي أرادهن مدحًا لكافور. ومن زعم ذلك له، ونسب في ذلك رواية عنه، فإن ذلك يناقض ما في هذا الخبر من إقراره بذكاء كافور. اللهم إلا أن يزعم زاعم أن أبا الطيب قد ضمن مدح كافور هجاء في طيه له، ولم يكن يخطر بباله أن كافورا من أجل سواده وانه مع ذلك خصي له من الذكاء ما يفطن به إلى ذلك، فلما تبين له أنه قد فطن له، عجب لذلك. فإقراره الذي أره بالعجب لا باعتقاد وجود الذكاء.

هذه القصيدة محكمة اتصال المعاني والأبيات. وهي مع ذلك من الضرب المخصر. شأنها فيه شأن: «واحر قلباه» و» حتام نحن نسارى النجم في الظلم». وقد قدمنا أن أصل نظره في ذلك إلى «بانت سعاد» في «واحر قلباه» ثم سواها من الشعر القديم ونظره في «حتام نحن نسارى النجم» إلى ميمية علقمة أشد. ولعلنا لا نباعد إن زعمنا أن من بواعث تأثر أبي الطيب لامية كعب، سابقة تأثره بالتصوف. وفي بعض مدائح صباه ما هو من سنخ كلام المتصوفة كقوله:

يأيها الملك المصفى جوهرا ... من ذات ذي الملكوت أسمى من سمى

نور تظاهر فيك لاهوتية ... فتكاد تعلم علم ما لن يعلما

ويهم فيك إذا نطقت فصاحة ... من كل عضو منك أن يتكلما

أي النور اللاهوتي

أنا مبصر وأظن أني نائم ... من كان يحلم بالإله فأحلما

كبر العيان على حتى إنه ... صار العيان من العيان توهما

<<  <  ج: ص:  >  >>