ومن سنخ المدائح النبوية قوله:
لقد حسنت بك الأوقات حتى ... كأنك في فم الدهر ابتسام
وأعطيت الذي لم يعط خلق ... عليك صلاة ربك والسلام
وإنما لم يعط خلق ما اعطيه هو الرسول عليه الصلاة والسلام، وأبو الطيب يعلم حديث الشفاعة- وفي القصيدة قبل هذين البيتين مما معدنه ديني قوله:
تحايده كأنك سامري ... تصافحه يد فيها جذام
والضمير في تحايده يعود على المال. والجذام مبالغة لأن السامري أمره أن يقول لا مساس نافرًا من كل الناس.
إذا ما العالمون عروك قالوا ... أفدنا أيها الحبر الإمام
فلما جعله حبرًا وإماما، قارب به النبوة فزعم أنه أعطى ما لم يعطه الله خلقا غيره.
ويجوز لمن يعتذر لأبي الطيب أن يزعم أنه لم يرد ممدوحه العجلى بهذا ولكنه التفت إلى مدح الرسول عليه الصلاة والسلام وجعل ذلك ختام مسك. وهو جواز ذو بعد.
وقول أبي الطيب: «أنا مبصر وأظن أني نائم» يستوقفني منه كسماع أصداء منه في قول شكسبير.
Is this adagger I see before me ... ..
أهذا الذي أراه أمامي أخنجر هو ....
(انظر الفصل الثاني -المنظر الأول ص ٣٣ - ٤٠ من ماكبيث)
الكلمة التي يزعم بها أنه يرى شبح الخنجر الذي يريد أن يرتكب به جريمة الغدر» بدنكان» الملك. وهو بعد باب من البحث لا يتسع له مجال هذه الفصول.
وما أشك أن أخذ شكسبير من أبي الطيب خاصة ومن أبي تمام وشعراء آخرين كثير وينبغي أن يدرس ويكشف عنه.
مثلا قال أبو الطيب:
كريم نفضت الناس لما رأيته ... كأنهم جف من زاد قادم
قال شكسبير
Time hath, my lord, awallet at his back
Wherein he puts alms for oblivion
(الفصل ٣ انظر س ١٤٥ - نزويلس وكوسيدا)