للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«الدهر على ظهره خريطة، يضع فيها أزواد الصدقة لتنسى».

ومما يشعر من بالأخذ هنا أن المكدي الذي يشبه شكسبير الزمان به هاهنا يضع ما يعطاه من صدقات (وإنما ذلك الخبر الجاف ونحوه) للنسيان. والسائل لا ينسى ما تصدق به عليه ولا يدعه للنسيان. إنما الذي يطرح زاده من حقيبته وينفض ذلك نفضا هو القادم الواجد القرى والضيافة. وفي القطعة الشكسبيرية ما ينم بمعنى الضيافة، إذ شبه الزمن فيما بعد بصاحب الخان وهذا كما تقدم باب مجال القول فيه سوى هذا الموضع.

القسم الأول من القصيدة فيه، في أول بيت وهو المطلع:

ملومكما يجل عن الملام ... ووقع فعاله فوق الكلام

نفس نهاية للنسيب. واللائمان هما صاحبا المرئ القيس اللذان صارا صحبا كثيرين في قوله:

وقوفا بها صحبي علي مطيهم

وهما صاحبا بشار اللذان قال لهما:

واسقياني من ريق بيضاء ورد

وهما صاحبا أبي نواس:

أيها الرائحان باللوم لوما

وهما الشاعر نفسه جرد من نفسه آخر فصارا اثنين وثلاثة، يلومونه إذ وقف على الطلل ثم بعد أن بكى واستبكي لم يجد شفاء إلا أن ينخرط في السير. وحبوب أبي الطيب الذي وقف على طلله هو الأمل الذي خاب عند كافور كما خاب عند كثيرين ممن حسن الظن فيهم وعقد الرجاء عليهم من قبل:

ذراني والفلاة بلا دليل ... ووجهي والهجير بلا لئام

فإني أستريح بذي وهذا ... وأتعب بالإناخة والمقام

عيون رواحلى إن حرت عيني ... وكل بغام رازحة بغامي

جعل نفسه ورواحله شيئًا واحدًا. وهذا المعنى الذي في شعر الجاهلين جاء به أبو الطيب ها هنا بارزا مكشوفا. وقوله «إن حرت عيني» أي هن يهتدين لأنهن يشممن الماء ويعرفن موارده فإذا حرت فتكفيني هداية عيونهن.

وقوله: «وكل بغام رازحة» إنما أردا به الإشارة على قول العبدي!

<<  <  ج: ص:  >  >>