عليل الجسم ممتنع القيام ... شديد السكر من غير المدام
هذا يدل على أنه هذي. وقد كانت قلة العواد بهذا له رحمة، إذ لم يكن هذيان مثله ليسلم من معاني ما أخذ فيه بعد من مسالك الهجاء المقذع المر. قوله شديد السكر هو شاهد الهذيان، وحمى الورد -وهي التي يقال لها الآن الملاريا- مما يكون معها الهذيان.
وزائرتي كأن بها حياء ... فليس تزور إلا في الظلام
بذلت لها المطارف والحشايا ... لعافتها وباتت في عظامي
وكذا تفعل حنى الورد
يضيق الجلد عن نفسي وعنها ... فتوسعه بأنواع السقام
من فتور وصداع وانقباض نفسي وصنوف أوجاع
إذا ما فارقتني غسلتني ... كأنا عاكفان على حرام
انتقده بعضهم بأن الحرام ليس بأخص أن يغتسل منه من الحلال وأحسن ابن الشجري الدفاع عنه إذ قال وإنما خص الحرام لأنه جعلها زائرة غريبة ولم يجعلها زوجة ولا مملوكة. [انظر شرح البرقوقي ٤ - ٢٧٦/ ٢٧٧ - الهامش] قلت أفسد ابن الشجري إحسانه شيئًا بذكره الزوجة والمملوكة. وقد أعلمنا أبو الطيب أن زائرته هي الحمى بقوله كأن بها حياء لها إذ ليست مما يوصف بذلك ولما صار على ذكر العرق وإنها غسلته به، رد ذلك إلى معنى الزائرة، ولا يكون الكلام إلا كما قال: كأنا عاكفان على حرام «ومفهوم» أنها زائرة مجازية ليست بعاكفة معه على شيء غير هذا السقم الذي هذه صفته. فذكر الزوجة والمملوكة هنا لا معنى له. ونقد من نقده بأن الحلال ليس بأخص من الحرام. تافه باطل.
كأن الصبح يطردها فتجري ... مدامعها بأربعة سجام
وهذا تأكيد للمعنى التشبيهي المتقدم- لما جعلها غاسلة له، وذلك لامتناع قيامه، جعلها باكية لفراقه وذلك لشدة شغفها به، وقد تقدم قوله:«فعافتها وباتت في عظامي». ولما جعل لها بكاء المحب الشديد الشغف ومن قبل قال:«كأنا عاكفان على حرام» صح أن يصف نفسه على وجه التشبيه، بحال المشتاق، وإن كان حقا ليس بمشتاق ولكن مترقب أمر محتوم ليس منه من مفر.