ويصدق وعدها والصدق شر ... إذا ألقاك في الكرب العظام
وكم ألقاه صدقه هو في الكرب العظام.
وقد ترى كيف مزج نعته الحمى بالحكم، بل نعته نفسه من الحكمة
وهذا آخر التخصير. ويبدأ القسم الثالث من بعد وأوله مخاطبة الحمى، مع التزام مذهب الأوائل في جعلهم بداية هذا القسم بالذكرى وإتباع ذلك ما يناسبها من أغراض البيان كما رأيت من قول علقمة.
قد أشهد الشرب فيهم مزهر رنم ... والقوم تصرعهم صهباء خرط
وقول امرئ القيس:
وقد أغتدى والطير في وكناتها ... بمنجرد قيد الأوابد هيكل
وما أشبه ذلك.
قال أبو الطيب:
أبنت الدهر عندي كل بنت ... فكيف وصلت أنت من الزحام
عندي كل بنت هو موضع الذكرى، وما جعله بمنزلة «وقد أشهد» «وقد أغتدى» وهلم جرا
جرحت مجرحا لم يبق فيه ... مكان للسيوف وللسهام
وهنا موضع تمني الخلاص منها والشفاء والنجاة والانطلاق والحرية والفراق:
ألا ياليت شعر يدي أتمسي ... تصرف في عنان أو زمام
فقد سوى بين الخيل والإبل كما ترى، ثم عول من بعد على الإبل، خلافا لما زعم ابن رشيق من إيثاره الخيل:
وهل أرمي هواى براقصات ... محلاة المقاود باللغام
فربتما شفيت غليل صدري ... بسير أو قناة أو حسام
وضاقت خطة فخلصت منها ... خلاص الخمر من نسج الفدام
وفارقت الحبيب بلا وداع ... وودعت البلاد بلا سلام
يجوز أن يكون مراده بالحبيب معنى ما درج عليه من الكناية عن الممدوح بالمجبوب, ويجوز -والله تعالى أعلم- أن يكون له حبيب بحلب فارقه بلا وداع. وقوله بلا سلام: أي خائفا محاربا.
هذا وفي البائية «أغالب فيك الشوق» ما يفيد أنه ترك وراءه أسرة وأهلا: