بذل نحو ٣٠٠٠ جنيه في سبيل البحث عنه في أنحاء القطر ومراجعة النصوص وغير ذلك. ولد صاحب الترجمة بسراي باب الخلق لثلاث بقين من رجب سنة ١٢٥٥ هجرية وفي سنة ١٢٦٢. توفي والده بناحية دنقلة وكان عمره إذ ذاك سبع سنين وفي ذلك يقول لما ناهز العشرين:
لا فارس اليوم يحمي السرح بالوادي ... طاح الردى بشهاب الحرب والنادي
مات الذي ترهب الأقران صولته ... ويتقي بأسه الضرغامة العادي
مضى وخلفني في سن سابعة ... لا يرهب الخصم إبراقي وإرعادي
فإن أكن عشت فردًا بين آصرتي ... فهأنا اليوم فرد بين أنداد
هذا الشعر كما تراه متين محكم النسج نظمه في سن صغيرة، فما سر هذه القوة التي تجلت قبل الأوان في عصر مقفر من الشعر الجيد؟ أهو في تربيته القومية أم في طبعه واستعداده.
شرح محمود سامي في سن الثامنة يتلقى مبادئ العلم على أساتذة كانت تحضر في منزله ودخل سنة ١٢٦٧ هـ أي في سن الثانية عشرة مدارس الحربية وتخرج منها برتبة باشجاويش سنة ١٢٧١ في أوائل تولية سعيد باشا، وكان عمره إذ ذاك ست عشرة سنة ويقال إنه كان يتعاطى صناعة الشعر في أثناء دراسته. أما تربيته الأدبية فإليك ما قاله عنه الشيخ حسين المرصفي في الوسيلة الأدبية وكان من أعرف الناس به:«محمود سامي الباردوي» لم يقرأ كتابًا في فن من فنون العربية غير أنه لما بلغ سن التعقل وجد في طبعه ميلاً إلى قراءة الشعر وعمله فكان يستمع بعض من له دراسة وهو يقرأ بعض الدواوين أو يقرأ وهو بحضرته حتى تصور في برهة يسيرة هيئات التراكيب العربية فصار يقرأ ولا يكاد يلحن ... ثم استقل بقراءة دواوين مشاهير الشعراء من العرب وغيرهم حتى حفظ الكثير منها دون كلفة واستثبت جميع معانيها ناقدًا شريفها من خسيسها ثم جاء من صنعة الشعر اللائق بالأمراء.» أ. هـ قال أبو العلاء المعري في رسالة الغفران بمعرض الحديث عن بيت لبيد:
تراك أمكنة إذا لم أرضها ... أو يرتبط بعض النفوس حمامها
على لسان ابن القارح يسأل لبيدا: «هل أردت ببعض معنى كل؟ فيقول لبيد: كلا إنما أردت نفسي. وهذا كما تقول للرجل إذا ذهب مالك أعطاك بعض الناس مالاً وأنت تعني نفسي في الحقيقة وظاهر الكلام واقع على كل إنسان وعلى كل فرقة تكون