يحرسه. وهذا الوجه أقرب وأشبه ببداوة أحوال تلك البلاد وذلك الزمان. مهما يكن من الأمر، فإنه بعيد كل البعد أن يكون أبواه أهملاه لا يقرأ ولا يكتب حتى السابعة.
ورواية السوربوني التي روى عن حفني ناصف رحمة الله عليهما تفيد مثل ما قدمناه من غلبة المديح النبوي على الشعر إذ واضح أن:
يا آل طه عليكم حملتي حسبت ... إن الضعيف على الأجواد محمول
مدحة نبوية على روي بانت سعاد وبحرها.
ومجاراة البارودي للبردة منبئة بسماعه لها، ويكون ذلك منذ أيام الصبا إذ كانت هي المدحة الكبرى المعروفة في جميع آفاق الإسلام.
وبردته كما قدمنا دون شعره. وله جيمية نبوية يشوب نصوع الديباجة فيها شوائب تكدره شيئًا من أساليب الشعر التي لا تلائم روحانية التعبد والتوسل. وهذا ما حذرت منه الباعونية رحمها الله. ونظم البارودي المديح النبوي منبئ عن تأثره به في زمان باكر.
أول الجيمية التي أشرنا إليها:
يا صارم اللحظ من أغراك بالمهج ... حتى فتكت بها ظلمًا بلا حرج
ومما قال في نسيبها:
أبيت أرعى نجوم الليل في ظلم ... يخشى الضلالة فيها كل مدلج
كأن أنجمه والجو معتكر ... غيدا بأخبية ينظرن من فرج
وهذا مما يقع تحت طائلة نقد الباعونية.
ثم هذا كأن قد ابتعد كل البعد عن القصد بمقدمته إلى المديح النبوي إذ أخذ في بعض مسلك هيام صناعة الشعراء:
ليل غياهبه حيرى وأنجمه ... حسرى وساعاته في الطول كالحجج
كأنما الصبح خاف الليل حين أرى ... ظلماءه ذات أسداد فلم يلج
وهذا يذكر ببعض أضرب تعب المتنبي- وما أشبه أن يكون نظر في قوله كأنما الصبح إلخ إلى قول أبي الطيب كأن الصبح يطردها وليس مما تعب أبو الطيب فيه- ولكن من أمثلة تعبه رحمه الله.
فليت من لامني لانت شكيمته ... فكف عني فضول المنطق السمج