ما أحسب البارودي كان يقدم على استعمال «السمج» لولا ما آنسه بها أبو تمام في قوله: «سماجة غنيت البيت» ونحو ذلك.
يظن بي سفها أني على سرف ... ولا يكاد يرى ما فيه من عوج
فاعدل عن اللوم إن كنت امرأ فطنًا ... فاللوم في الحب معدود من الهوج
في قوله «الهوج» عناء ما. وقد اتبع سبيل النواسي حيث قال:
لا تحظر العفو إن كنت امرأ حرجًا ... فإن حظركه بالدين إزراء
ثم صار إلى خروج المدح النبوي
هيهات يسلك لوم العاذلين إلى ... قلب بحب رسول الله ممتزج
هو النبي الذي لولا هدايته ... لكان أعلم من في الأرض كالهمج
وهذا مأخوذ من قول البوصيري ومحذو عليه، أعنى قوله:
هو الحبيب الذي ترجى شفاعته ... لكل هول من الأهوال مقتحم
ولا يعجبني قوله «كالهمج» ههنا على استقامة معناه- ولا عجز البيت بأسره. تأمله:
لكان أعلم من في الأرض كالهمج
تجده منخفض الدرجة عن الديباجة العالية. وأتى البارودي من متابعة بيت البوصيري المتقدم، وعجز ذلك قوي الارتباط بصدره. وعجز بيت البارودي كأنه تعليق منفصم. وهذا يجعل نفسًا من أنفسا الكلام العامي يوشك أن يخالطه. فذلك مما يكون قد قصر به. ثم يقول رحمه الله:
أنا الذي بت من وجد بروضته ... أحن شوقًا كطير البانة الهزج
قوله «أنا الذي» من أبي الطيب، وهو ظاهر. وقوله كطير البانة الهزج هل عنى به أنه كان يتغنى وهو ينظم من هذه الجيمية وينشد كإنشاد مدائح الرسول صلى الله عليه وسلم؟
وياليت شعري إذ يشتاق البارودي إلى الروضة الشريفة ها هنا ويحن، هل كان في صباه الأول ابن ست سمع بدنقلا أو ببربر أو بسواكن إذ يصحب أباه فقراء تلك البلاد ينشدون المدائح مما كان قد ازدهر ازدهارًا وخاصة في هذه الأقاليم التي ذكرنا هل سمع مثلاً: