لقد طال شوقي يا أميني لطيبة ... أشخصها طورًا وطورًا أناظر
تذكرت يا خلي ليالي مبيتنا ... بمسجدها والقوم باك وذاكر
تهيج شوقي قبة النور وهي في ... ضياء له العافون شاموا وسامر
وإن لها نورًا إلى العرش ساطعًا ... تشاهده أبصارنا والبصائر
صاحب هذه القصيدة توفى قبل مولد البارودي بسبع سنين أو نحوها وكان صيته قد طبق الآفاق ومدائحه تنشد في الأقاليم التي ذكرنا وكثير غيرها، وكان قد صنع للبجاة بناحية سواكن مدائح بالعربية السهلة على أنغامها في صيد السمك فكانوا ينشدونها، وأخذت عنهم فكانت بلا ريب تنشد في نواحي بربر. والله تعالى أعلم.
كان البارودي مثقفًا بثقافة الضباط، وكانت من أعلى ضروب الثقافة الحديثة التي يحصل عليها في ذلك الزمان. ومع الثقافة الحربية كانت الممارسة وأنه من طبقة الجاه والرياسة. ثم مع ذلك سعة الاطلاع والعلم بالعربية القليل النظير. ثم ما من الله عليه من تفتح آفاق النفس بتجارب السفر- فرأى مع بلاد الإسلام بلاد الكفر أيضًا وقد صحب اسمعيل باشا الخديوي الطموح وزار اصطمبول وفرنسة وانجلترا وخاض غمار السياسة وتولى أعباء الوزارة. ثم مع هذا كله وفوقه كان شاعرًا. شاعرًا فارسًا كربيعة بن مكدم وكعنترة بن شداد وكعامر بن الطفيل وعتيبة بن الحارث بن شهاب وامرئ القيس وطفيل الغنوي وعمرو بن كلثوم جميعًا، أم ليس هو القائل:
ولقد هبطت الغيث يلمع نوره ... في كل وضاح الأسرة أغيد
تجري به الآرام بين مناهل ... طابت مواردها وظل أبرد
بمضمر أرن كأن سراته ... بعد الحميم سبيكة من عسجد
هذا من قول طفيل:
وكمتا مدماة كأن متونها ... جزى فوقها واستشعرت لون مذهب
وأحسبه قد مر مع الكلمة التي هو منها في باب الأوصاف
خلصت له اليمنى وعم ثلاثة ... منه البياض إلى وظيفة أجرد
وكأنما انتزع الأصيل رداءه ... سلبًا وخاض من الضحى في مورد
هذا كقول الكلحبة ويروى بعضه لسلمة بن الخرشب وكلاهما مفضلي:
تسائلني بنو جشم بن بكر ... أغراء العرادة أم بهيم
هي الفرس التي كرت عليهم ... عليها الشيخ كالأسد الكليم
أي هو الكليم أو نعت رد على الشيخ ولا إقواء