للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتلاعبون على الكئوس إذا جرت ... لعبا يروح الجد فيه ويغتدى

لا ينطقون بغير ما أمر الهوى ... فكلامهم كالروض مصقول ندى

من كل وضاح الجبين كأنه ... قمر توسط جنح ليل أسود

هنا شريحان من أدب كئوس ضباط الحربية العصرية الأوروبية بعض السمت، ومن أدب «وإذا شربت» و «إذا صحوت» «وفتية كسيوف الهند» ذلك قد يستفاد من قوله: «يروح الجد فيه ويغتدى». وفي قوله، «لا ينطقون» رنة من إيقاع «لا يستفيقون منها وهي راهنة». وقوله: «ما أمر الهوى» يوقف عنده شيئًا: أكان في المجلس نساء أم هي أنفاس نواسية أم معاذ الله- بل لا يعدو أن يكون أراد الغناء من عود ونحوه، فهذا الذي يأمر به الهوى في مثل هذا المجلس. وقوله «من كل وضاح» بحتري الصياغة والرنة- قال أبو عبادة:

وتراه في ظلم الوغى فتخاله ... قمرًا يغير على الرجال بكوكب

ثم صار بعد مجلس الشراب إلى ذكر مغامرة الغرام. والقصيدة شبه مخصرة. بدأها بخلط ذكر الهم بالرحيل من الأحباب وشكوى الصبابة وهو قوله:

ظن الظنون فبات غير موسد ... حيران يكلأ مستنير الفرقد

تلوي به الذكرات حتى إنه ... ليظل ملقى بين أيدى العود

طورًا يهم بأن يزل بنفسه ... سرفًا وتارات يميل على اليد

وكأنما افترست بطائر حلمه ... مشمولة أو ساغ سم الأسود

قالوا غدًا يوم الرحيل ومن لهم ... خوف التفرق أن أعيش إلى غد

هي بهجة ذهب الهوى بشغافها ... معمودة إن لم تمت فكأن قد

هنا تروض الملكة القوية سبيل فض مكنون قلب الشاعر إلى ما يرومه من اغراض البيان الجهير على نمط القصيدة العربية الأصيلة- هنا النابغة، تحس صدى إيقاعه في «غير موسد» «أيدى العود» «يميل على اليد» «غدًا يوم الرحيل» - وتحس عنترة في «طورًا يهم» [تذكر طورًا يجرد للطعان]- وتحس نغم الحماسي في «وكأنما افترست» ذلك قول سلمى بن ربيعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>