وكأن في العينين حب قرنفل ... أو سنبلا كحلت به فانهلت
وقوله: «وكأن قد»، نابغي. والمطلع كله بعضه نابغي وبعضه كالأسود بن يعفر ثم إذ مهد سبيل النسيب صار إليه:
يأهل ذا البيت الرفيع مناره ... أدعوكم يا قوم دعوة مقصد
إني فقدت اليوم بين بيوتكم ... عقلي فردوه علي لأهتدي
أو فاستقيدوني ببعض قيانكم ... حتى ترد إلي نفسي أو تدي
قول البارودي «يأهل ذا البيت» بشعرنا أنه بإزاء الوداع. ولا سبيل إليه إلا بحديث العيون: -
بل يا أخا السيف الطويل نجاده ... إن أنت لم تحم النزيل فأغمد
جعل نفسه ضيفًا على حي المحبوبة ولكن فارس الحي لا يستطيع حمايته من فتك عيون حسانه، وها هم هؤلاء قد أجمعوا أمرهم للرحيل وارتهنوا فؤاده عندهن.
هذى لحاظ الغيد بين شعابكم ... فتكت بنا خلسا بغير مهند
من كل ناعمة الصبا بدوية ... ريا الشباب سليمة المتجرد
ما أرى إلا أن ها هنا خطأ في الطبع أو قراءة من قرأ من خط البارودي، وما أشبه أن يكون عجز البيت «ريا الشباب سلبية المتجرد» أي لو قد سلب متجردها لألفيت ريا الشباب. أما سليمة المتجرد فضعيفة لا تشبه أسر القصيدة ونغم جزالتها. فإن تكن هي الصواب، فلرب كبوة من جواد. وإن تكن هي التي قالها البارودي فما جرتها إليه إلا إشعاره بأنه حضري حيث جعلها بدوية، ثم أتبع ذلك ما عند الحضر من توهم سلامة الجسم وصحته في البادية- والمعنى على هذا التأويل يسوغ ولكنه يفقد رنة قوة أسرة. إذ البدوي حقًا هو شاعرنا لا هذه التي زعمها بدوية. وسلبية بالباء الموحدة التحتية يستقيم بها المعنى -وباؤها أشد ملاءمة لما من قبل من الباءات- والله أعلم.
هيفاء إن خطرت سبت وإذا رنت ... سلبت فؤاد العابد المتشدد
سلبت ها هنا ما زعمنا من «سلبية» قبل وتكون حالاً منصوبة.
ثم يجئ شيء كالتحضير، أوله نظر في أمر النساء فيه مشابه من مقال علقمة حيث قال: «فإن تسألوني بالنساء ... »، ثم بعد ذلك تنويه بفروسيته ويكون ذلك كالنطاق وكالتوشيح يصل به إلى تذكر الخيل والشراب والمغامرة الغرامية. وفي هذه الدالية بعد، لبدئها بالليل، ثم جعل بداية الذكريات اغتداء بالفرس، كالحذر على