من أحب شعره إلى وأجوده قوله بسرنديب:
لكل دمع جرى من مقلة سبب ... وكيف يملك دمع العين مكتئب
المطلع بوصيري الروح. ولعله رحمه الله كان ينشد من البردة، يتبرك بها ويتوسل بروحانيتها في منفاه.- تأمل «دمع جرى من مقلة»: قال البوصيري:
أمن تذكر جيران بذي سلم ... مزجت دمعًا جرى من مقلة بدم
والبحر بحر البردة. وقد رأيت مجاراة أبي الطيب باء «السيف أصدق» بميم «عقبى اليمين على عقبى الوغى ندم». وفي بائية البارودي هذه أيضًا نوع من المجاراة لميمية أبي الطيب:
واحر قلباه ممن قلبه شبم
روح البحر ونظر روي الباء إلى الميم نسب بين هذه الكلمة وبردة المديح، ومجرى الضم مع ما تقدم نسب بينها وبين «واحر قلباه ممن قلبه شبم» - ثم للبارودي بعدما انفرد به من بث الشكوى والخطاب الصريح وأمل القومية والمجد والحفاظ الذي ضاع.
قال رحمه الله:
لكل دمع جرى من مقلة سبب ... وكيف يملك دمع العين مكتئب
لولا مكابدة الأشواق ما دمعت ... عين ولا بات قلب في الحشا يجب
فيا أخا العذل لا تعجل بلائمة ... على فالحب سلطان له الغلب
ولو تبين ما في الغيب من حدث ... لكان يعلم ما يأتي ويجتنب
لكنه غرض للدهر يرشقه ... بأسهم ما لها ريش ولا عقب
فكيف أكتم أشواقي وبي كلف ... تكاد من مسه الأحشاء تنشعب
أم كيف أسلو ولى قلب إذا التهبت ... بالأفق لمعة برق كاد يلتهب
أصبحت في الحب مطويًا على حرق ... يكاد أيسرها بالروح ينتشب
إذا تنفست فاضت زفرتي شررًا ... كما استنار وراء القدحة اللهب
لم يبق لي غير نفسي ما أجود به ... وقد فعلت فهل من رحمة تجب
لم يبق لي غير نفسي ما أجود به ... وقد فعلت فهل من رحمة تجب
كأن قلبي وقد هاج الغرام به ... بين الحشا طائر في الفخ يضطرب