للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صورة الطائر المضطرب تتردد عند البارودي. وله رائية قصيرة حسنة ذكر فيها الطائر الحذر:

يهفو به الغصن أحيانًا ويرفعه ... دحو الصوالج في الديمومة الأكرا

ما باله وهو في أمن وعافية ... لا يبعث الطرف إلا خائفًا حذرًا

وذكر طيف غانيه:

حوراء كالريم ألحاظا إذا نظرت ... وصورة البدر إشراقًا إذا سفرا

وكأنما حذا ههنا على رائية أبي الحسن التهامي التي يقول فيها يذكر امرأة حسناء

ترمي الحجيج فتصميم ويرشقها ... راميهم فيولي سهمه هذرًا (١)

ثم يقول البارودي

لا يترك الحب قلبي من لواعجه ... كأنما بين قلبي والهوى نسب

فلا تلمني على دمع تحدر في ... سفح العقيق فلى في سفحه أرب

منازل كلما لاحت مخايلها ... في صفحة الفكر منى هاجني طرب

لي عند ساكنها عهد شقيت به ... والعهد ما لم يصنه الود منقضب

وعاد ظني عليلاً بعد صحته ... والظن يبعد أحيانًا ويقترب


(١) أشرنا إلى هذا في كتابنا التماسه عزاء بين الشعراء- طبع بيروت ص ١٩٦. وقد ذكرنا ثم أن أبا العلاء المعري، وذكروا أن التهامي أنشده شعره، كأنما يغمز التهامي في نعته هذه المرأة التي فتنت الحجاج فكاد يفسد حجهم، في قوله في اللزوميات:
أتت خنساء مكة كالثريا ... وخلت بالعواصم فرقديها
ولو صلت بمنزلها وصامت ... لكان البر أجمعه لديها
ولكن جاءت الجمرات ترمى ... وأبصار الغواة إلى يديها.
وما ثريا عمر أراد، ولكن الغواة الذين قدم إليه أحدهم فأنشده. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>