هذا آخر القسم الأول. وهو من مرحلتين، الأولى تأمل يخالطه شيء من أسى كالندم- ندم يروم التأسي بالعظة والعبرة والحكمة، والثانية إعلان للشوق والحب والصبابة. يهيمن على المرحلة الأولى طائف من روحانية البوصيري. يرفرف على المرحلة الثانية جناح من صوت أبي الطيب.
قد مرت الإشارة إلى «مزجت دمعًا جرى من مقلة بدم». وقوله «لولا مكابدة إلخ» فيه أنفاس:
لولا الهوى لم ترق دمعًا على طلل ... ولا أرقت لذكر البان والعلم
وقوله:«يا أخا العذل» كقول البوصيري «يا لائمي أي يا عاذلي» أي يا أخا العذل: -
يا لائمي في الهوى العذري معذرة ... مني إليك ولو أنصفت لم تلم
لأن الهوى العذرى لا يتبغي أن يعذل عليه صاحبه. وقول البارودي:«فالحب سلطان له الغلب» يقابل قول البوصيري: «معذرة مني إليك» - وفي قول البوصيري جناس معنوي لفظي (العذرى ... معذرة) وفي قول البارودي مجانسة معنوية «سلطان ... له الغلب» وقول البارودي «لا تعجل علي» ... يقابل قول البوصيري:«لو أنصفت لم تلم» قول البارودي من بعد «لو كان للمرء عقل إلخ» يحمل رنة من إيقاع صياغة البوصيري:
لو كنت أعلم أني ما أوقره ... كتمت سرًا بدا لي منه بالكتم
وكتمان البوصيري هنا فيه نفحات من كتمان أبي الطيب:
مالي أكتم حبًا قد برى جسدي ... وتدعي حب سيف الدولة الأمم
وقد كرر البارودي نغم البوصيري حيث قال:
ولو تبين ما في الغيب من حدث ... لكان يعلم ما يأتي ويجتنب
وكأن ههنا سريرة ندم- وكأن نفحة من قول الإمام شرف الدين: -