للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من لي برد جماح من غوايتها ... كما يرد جماح الخيل باللجم

وفي قول الباوردي: «فخالفوني وشبوها مكابرة» معنى غواية مستكن. وفي قول البارودي «لكنه غرض للدهر إلخ» معنى التسليم للقدر. قوله «بأسهم مالها ريش ولا عقب» أخذ لفظه أخذ إشارة من بائية غيلان، والعقب هو العصب تشد به السهام عند أفواقها وحيث موضع النصل وفي الشرح (١) العقب بفتح العين والقاف العصب بفتحتين تعمل منه الأوتار والمراد الأوتار نفسها أ. هـ والمعنى أوضح من هذا لمتأمله أي بسهام القدر التي لا تعان بالريش ولا تشد بالعقب وهو العصب.

وإذ هو المسكين غرض الدهر، فقد رماه الدهر بالبعاد ولا يستطيع أن يكتم الشوق. ومن هنا تبدأ المرحلة الثانية- رفرفة صوت المتنبي في قوله: «فكيف أكتم أشواقي- أبو الطيب: «مالي أكتم حبًا» - البوصيري:

فكيف تنكر حبًا بعدما شهدت ... به عليك عدول الدمع والسقم

ثم كرر البارودي نغم الإيقاع ومعنى الشوق في قوله: «أم كيف أسلو ولي قلب إلخ» - وهنا صدى من البوصيري:

وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من ... لولاه لم تخرج الدنيا من العدم

البيت الذي يعيبه بعض المتشددين يرون ذلك حنبلية في التشدد، ولعل ابن حنبل رضي الله عنه لو سمع هذا البيت ما عابه، وكيف وهو صاحب حديث الشفاعة وحديث عرباض رضي الله عنه؟

والشاهد تشابه النغم في: كيف تدعو .. كيف يسلو ... وفي بيت البارودي بعد صورة تبدو كما يقول عصريو النقاد -مثلاً- تقليدية: وذلك قوله:

. إذا التهبت ... بالأفق لمعة برق كاد يلتهب

وما أرى إلا أنها مغترفة من بحر تجربة الشاعر غرفًا- ومثلها قوله من بعد:

إذا تنفست فاضت زفرتي شررًا ... كما استنار وراء القدحة اللهب

عجز البيت وصف دقيق لاستيقاد النار، ولقدحة عود الثقاب


(١) الديوان ص ١١١ هـ ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>