على المعاني والشكل وطريقة الخطاب، إذ قد جعل أبو الطيب حبه لسيف الدولة في القسم الأول مكان النسيب وحمله معنى لواعج الشوق. وكذلك قد جعل البارودي حبه لقومه وضمنه ما مر من تأمل شاك وأنفاس عتاب. وقوله: «وعاد ظني عليلاً بعد صحته» - فيه إيجاس دبيب من الندم واستشعار لأن القوم قد تناسوا عهده «والعهد ما لم يصنه الود منقضب» - «والظن يبعد أحيانًا ويقترب»، هذا يذكرك بقوله من قبل: «ويخطئ الظن في بعض الأحايين» - بعد الظن، سعة الأمل، واقترابه مواجهته هذا الذي هو بإزائه من الواقع المر. وهنا موضع الصيحة. ويبدأ القسم الثاني من القصيدة: -
فيا سراة الحمى، ما بال نصرتكم ... ضاقت علي وأنتم سادة نجب
أضعتموني وكانت لي بكم ثقة ... متى خفرتم ذمام العهد يا عرب
أليس في الحق أن يلقى النزيل بكم ... أمنا إذا خاف أن ينتابه العطب
فكيف تسلبني قلبي بلا ترة ... فتاة خدر لها في الحي منتسب
مرت علينا تهادي في صواحبها ... كالبدر في هالة حفت به الشهب
تهتز من فرعها الفينان في سرق ... كسمهري له من سوسن عذب
كأن غرتها من تحت طرتها ... فجر بجانبه الظلماء تحتجب
فهل إلى نظرة يحيا بها رمق ... ذريعة تبتغيها النفس أو سبب
أبيت في غربة لا النفس راضية ... بها ولا الملتقي من شيعتي كثب
فلا رفيق تسر النفس طلعته ... ولا صديق يرى ما بي فيكتئب
هذا آخر القسم الثاني وهو الأوسط وهو خصر القصيدة. وإنما القصيدة غادة، كذلك قال أبو تمام:
بكر تورث في الحياة وتغتدى ... في السلم وهي كثيرة الأسلاب
وقال أبو عبادة وجعل القصائد عذارى أبكارًا:
كالعذارى غدون في الحلل البيـ ... ـض إذا رحن في الخطوط السود
وهذا ونظائره كثيرة.
وقد ترى هذا التخصير كأوله عند أبي الطيب في «واحر قلباه» حيث قال: «يا أعدل الناس إلا في معاملتي» - وهنا يقول البارودي: «فيا سراة الحمى- ما بال نصرتكم البيت». وكأنه هنا خلط بين احتجاج أبي الطيب واحتجاج أبي فراس حيث قال: