للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتأمل. وقوله: «تهتز من فرعها» لا يخفى أنه من قول حبيب.

كم أحرزت قضب الهندي مصلته ... تهتز من قضب تهتز في كثب

الشبه في الصورة ونغم اللفظ معًا. قوله «في سرق» مكان قول حبيب «في كثب» عنى ثقل الكفل بإزاء لين القامة واستقامة رشاقتها. والسرق الحرير، واهتزاز الفرع الفينان فيه مشعر بالصدر والخصر والكفل، وأخذه من قول امرئ القيس: «إذا ما اسبكرت بين درع ومجول» من قول الآخر «أبت الروادف والثدي لقمصها البيت» - وفي جميع هذا لا يخفى أن أصل أخذه من بيت حبيب، وهذه المعاني والصور الأخريات وحي وإشارة. والسمهري الرمح، وجعله غصنا لما جعل له عذبات من الوسن، وذكر السوسن لا يخفى معه أن أصل المعنى مأخوذ من قول حبيب: «قضب الهندي» - «قضب تهتز في كثب» والقضب الأولى السيوف وجعل البارودي مكانها هنا السمهري والكثب مزدوجة المعنى، إذ القضب في الكثب هي الأغصان في الكثبان وهي القامات ذوات الأكفال، وسرق اللفظ والمعنى على بن العباس في نونيته:

أجنت لك الوجد أغصان وكثبان ... فيهن لونان تفاح ورمان

الشاهد قوله «أغصان وكثبان» فهو قضب حبيب وكثبه.

وقول البارودي: «كأن غرتها» هو من غيلان:

فغسلت وعمود الفجر منصدع ... عنها وسائره بالليل محتجب

وليس بمخفيه قوله: فجر بجانحة الظلماء محتجب». ثم بقية التشبيه من قول غيلان المشهور:

كأن عمود الفجر جيد ولبة ... وراء الدجى من حرة الوجه حاسر

وقد ذكرنا من قبل ما بين هذا وبين صورة جيوكندا لليوناردو دافنشى من قوة الشبه، وقوله: «كانت آية لنا في الحسن فاحتجبت إلخ» يحمل أنفاس قول أبي تمام وله نفس البحر والروي وإن كان أصل هذا مجاراته لبائية غيلان إذ أمرها في هذا الروى وهذا البحر أشهر:

أطاعها الحسن وانحط الشباب على ... قوامها وجرت في وصفها النسب

بضمتين جمع النسيب

ألقت نقابًا على الخدين وانتسبت ... للناظرين بقد ليس ينتسب

كانت لنا ملعبا نلهو بزخرفه ... وقد ينفس عن جد الفتى اللعب

<<  <  ج: ص:  >  >>