مع سلاسة ودماثة قل نظيرها عنده، فقد كان الرجل جافًا، خشن الروح, مبغضًا للناس، ومما يختار له فيها (١):
واهًا لأسماء ابنة الأشد ... قامت تراءى إذ رأتني وحدي
كالشمس تحت الزبرج المنقد ... صدت بخد وجلت عن خد
ثم انثنت كالنفس المرتد ... عهدي بها سقيا له من عهد
تخلف وعدًا وتفي بوعد
وليس في هذا الكلام من عمق ولا ابتكار، ولكن لفظه ناصع. ولعله لم يحسن في هذه الأشطار حق الأحسان إلا في الأخيرين.
وقد شفت بعض أبياته عن كراهيته المتأصلة لبني آدم، وذلك قوله:
وصاحب كالدمل الممد ... حملته في رقعة من جلدي
حتى مضى غير فقيد الفقد ... وما درى ما رغبتي من زهدي
ولكن هذا السخط على شدته مقبول، لأنه ينم عن ألم ممض. ولا يدري الناقد إن كان عنى بشار بهذا الصاحب البغيض "زوجه" فقد ماتت قبله، إذ لا يذكر النقاد أن أحدًا تبع جنازته غير أمة له عجوز، أم أحد إخوانه الذين كانوا يلبسون ثيابه فيملئونها قملا ووسخا وهو يحتمل ذلك منهم ولا يشكو؟ !
وأبو نواس أبرع في الرجز من بشار، لأنه لم يسلك به مسلك القصيد من ذكر الأطلال إلى النسيب والمدح كما فعل بشار. وإنما سلك به في الغالب مسلك الحداء والطرد.
وكذلك فعل أبو تمام في أراجيزه المطرية؛ فقد كان الرجل من البصر بالشعر،