فالملك أمر وطاعات تسابقه ... جنبًا لجنب إلى غايات إحسان
لا تتركوا مستحيلاً في استحالته ... حتى يميط لكم عن وجه إمكان
مقالة قد هوت من عرش قائلها ... على مناكب أبطال وشجعان
مادت لها الأرض من ذعر ودان لها ... ما في المقطم من صخر وصوان
لو غير فرعون ألقاها على ملأ ... في غير مصر لعدت حلم يقظان
لكن فرعون إن نادى بها جبلاً ... لبت حجارته في قبضة الباني
وآزرته جماهير تسيل بها ... بطاح واد بماضي القوم ملآن
يبنون ما تقف الأجيال حائرة ... أمامه بين إعجاب وإذعان
من كل ما لم يلد فكر ولا فتحت ... على نظائره في الكون عينان
ويشبهون إذا طاروا إلى عمل ... جنا تطير بأمر من سليمان
برا بذي الأمر لا خوفًا ولا طمع ... لكنهم خلقوا طلاب إتقان
أهرامهم تلك حي الفن متخذًا ... من الصخور بروجًا فوق كيوان (١)
قد مر دهر عليها وهي ساخرة ... بما يضعضع من صرح وإيوان
لم يأخذ الليل منها والنهار سوى ... ما يأخذ النمل من أركان ثهلان
هذا أراد به المبالغة وهو فيه ضعف، ولعله لو قال كمثل أخذهما من ركن، كان من جهة المعنى أحسن، واللفظ متهافت على كل حال.
كأنها والعوادي في جوانبها ... صرعى بناء شياطين لشيطان
جاءت إليها وفود الأرض قاطبة ... تسعى اشتياقًا إلى ما خلد الفاني
وصغرت كل موجود ضخامتها ... وغض بنيانها من كل بنيان
وعاد منكر فضل القوم معترفًا ... يثني على القوم في سر وإعلان
تلك الهياكل في الأمصار شاهدة ... بأنهم أهل سبق أهل إمعان
وفي القافية ضنى- يعني أهل إمعان في السبق والتجويد، وإمعان وحدها لا تفيد هذا المعنى.
وإن فرعون في حول ومقدرة ... وقوم فرعون في الإقدام كفوان
إذا أقام عليهم شاهدًا حجر ... في هيكل قامت الأخرى ببرهان
كأنما هي والأقوام خاشعة ... أمامها صحف في عالم ثان
تستقبل العين في أثنائها صور ... فصيحة الرمز دارت حول جدران
(١) كيوان هو زحل.