لو أنها أعطيت صوتًا لكان له ... صدى يروع صم الإنس والجان
قوله «صم الإنس والجان» متكلف، إذ المعنى «صوتًا يسمع الصم فيرتاعون له» فاحتال على القافية بما ترى، وقد جعل الجن لهم صم زما للإنس صم وأمرهم مختلف عن الإنس. وكمان شوقي أحذق حيث قال على لسان الجن:
نقول حين نصطدم ... بسادة أو بخدم
صمم صمم صمم صمم ... عمى عمى عمى عمى
على أن قوله صم الإنس والجان- تكلف محتمل شيئًا
أين الألي سجلوا في الصخر سيرتهم ... وصغروا كل ذي ملك وسلطان
بادوا وبادت على آثارهم دول ... وأدرجوا طي أخبار وأكفان
وخلفوا بعدهم حربًا مخلدة ... في الكون ما بين أحجار وأزمان
وزحزحوا من بقايا مجدهم وسطًا ... عليهم العلم ذاك الجاهل إذ العلم
قوله في العلم: «ذاك الجاهل الجاني» إغراب. وإنما عنى البحث باسم العلم إذ العلم لا يجني- قال تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} - والعلم المراد هنا هو ما يسمى Science، وهذا نظر وبحث واجتهاد فكر وما ينال من طريقه ليس بالعلم حقًا، ولكنه مما يكون بعضه وسيلة وطريقًا إلى العلم. والله أعلم.
ويل له هتك الأستار مقتحمًا ... جلال أكرم آثار وأعيان
للجهل أرجح منه في جهالته ... إذا هما وزنا يومًا بميزان
نظم صبري أدنى ألا يكون مغسولاً وأسلم من التكلف. خذ مثلاً قول مطران يذكر جبرية رمسيس:
مخلدًا دون من قاموا برفعته ... من شوش حرب وصناع وأعوان
مخالسًا ذمة العلياء مضطجعًا ... من مهد عصمتها في مضجع الزاني
البيت الأول واضح وفي سلامة معناه نظر. لأن شوش الحرب قد خلدت ذكراهم كما قد خلدت ذكراه. وليس له ولا لهم خلود سوى ذلك. والبيت الثاني قوله مخالسًا ذمة العلياء، غير واضح المعنى إلا على تصور أن العلياء هي «لوكريشا» التي خان مغتصبها ذمتها. فإن كان هذا مراده، أو شيء كهذا أراده، فما معنى مهد عصمتها، إذ المهد للطفل وما عنى هذا وما عنى في هذا الموضع إلا فراش عصمتها. واغتصاب