للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلياء أمر مجازي لا يجعل صاحبه زانيًا ولو على سبيل المجاز. فتأمل. وإنما هي الفتنة بالتماس التجديد من طريق نقل الأخيلة الإفرنجية بلا تدبر.

مهما يكن من أمر فإني استوقف القارئ الكريم قليلاً عند قول السوربوني بعد عرضه كلمة مطران والإشارة إلى نونية إسماعيل صبري وقد أوردها كاملة كما تقدم: «كلا الشاعرين في قصيدته يستنبط عبر التاريخ وينظمها درسًا نافعة لأمته، كلاهما يجيب داعية الوطنية وينتصر للحق والعدل وإن اختلفت وجهتا نظرهما، وهما متفقان في جوهر الموضوع، في الإشادة بذكر عظمة مصر الغابرة، وعظمة الفراعنة وتنبيه الخلف إلى مجد السلف. «١» (ص ١٥٤).

ههنا كما ترى في قوله، موضوع اتفق الشاعران في جوهره ووجهتا نظر اختلفا فيهما. مطران يذكر جلال رمسيس، وأنه أجل فراعين مصر قدرًا، وأن تمثاله الخالد ما كان أحد ليخطر بباله أنه سيفني لولا وجود تماثيل أخر له محطمة. إنه اختار الخطة المثلى لتخليد نفسه وحمل شعبه عليها. وإنه كان للجند إلهًا يقدسونه وللكهان سيدًا رفيع الشأن يتملقونه، وهذه المرأة البلهاء التي جعلها مطران رمزًا لبؤس الشعب وطاعته، لم تزل ذات نصب كادحة من أجل رمسيس، يدفعها حبها الديني له وصبرها الصادر عن إيمانها بألوهيته، هي تدمي من الإرهاق الذي يكلفها إياه، وهي تبجله وتقبل الدم، الذي يسيل منها على مرمر الأبنية التي تبنيها له. (لم يذكر لنا مطران لماذا تقبل المرمر، إذ هي عبارة إفرنجية. خطابة الصيغة راقته، ولو تتبعناها بالتحليل لاضطرنا ذلك أن نقول بأنها بتقبيلها دم نفسها كأنما تعلن عن تعلق بنفسها يناقض معنى الحب والتضحية والتأليه الذي قد قال به. هذا ويختم مطران القسم الأول من كلامه بأن رمسيس عاد بالفخر كله وأنه هو المخلد دون جنوده وصناعه وأعوانه. وهذه سنة دنيا الطغيان، كم تهلك الجموع فداء لفرد.

وينتقل مطران في القسم الثاني إلى الشعب أنهم هم الذين يسروا لطغيان رمسيس السبيل بإذعانهم وأنهم بانصياعهم لأمره وصنعهم التماثيل له، مكنوا له كل التمكين. لماذا رضوا أن تنصب له لا لهم النصب، ويكتب اسمه هو لا اسماؤهم. ثم يزعم مطران أن الطغيان أحيانًا ربما كان منقذًا للأمم من الانهيار الأخلاقي. وقوله:

<<  <  ج: ص:  >  >>