ليت البلاد التي أخلاقها رسبت ... يعلو بأخلاقها تيار طغيان
نوع من التمني للمنقذ من حال الضعف والانهيار التي كانت عليها أمة مطران المعاصرة، أن يتاح لها رمسيس يغزو بها ويسومها جبروته ويصنع لها الفخر وتصنع له التماثيل
يهب فيهم كإعصار فينقلهم ... من خفض عيش إلى هيجاء ميدان
بعض الطغاة إذا جلت إساءته ... فقد يكون به نفع لأوطان
في كل مفخرة تسمو الشعوب بها ... تفني جموع مفاداة لأحدان
وههنا روح استخفاف بالمفخرة، غريبة المعدن، مثلها كان يقوله أعداء نابليون عن مجده ثم جعل مطران خاتمة لكلامه تكبيرًا مرة أخرى لرمسيس وإشادة بعظمته والتمس لهذا من قوله وجهًا من الحكمة كونيًا يتخطى الأرض إلى الأفلاك.
كم في سني الكوكب الوهاج مهلكة ... في كل لمح لأضواء وألوان
أي المجد كهذا الضياء الوهاج، إنما يتألق به أمثال رمسيس بهلاك آلاف يهلكون كما تهلك ذرات الأضواء لينبثق منها هذا التألق الباهر الذي نراه.
ويلاحظ أن مطران قد ناقض بآخر كلامه أوله، إذ زعم في أوله أن الخالد وحده هو رمسيس وأن الآخرين، هلكوا في سبيل ذلك وشقوا وكدحوا في سبيل ذلك، وفي آخره قد أثبت لهم صورًا ووجوهًا غرانًا. والحق أنه لا خلد رمسيس ولا خلدوا هم، وإنما خلدت الذكرى- وهي ذكراهم جميعًا ورمسيس قد سخر نفسه كما قد سخر شعبه من أجل هذه الذكرى، وهي المفخرة التي ذكرها مطران في أخريات كلامه وسخر منها بأسلوب نثري الذكاء.
ولله رد أبي الطيب إذ قال: -
أين الذي الهرمان من بنيانه ... ما قومه وما يومه ما المصرع
تتخلف الآثار عن أصحابها ... حينًا ويدركها الفناء فتتبع
لماذا يعد الهرمان أنهما رمزان للتسخير أكثر من كاتدرائيات شارتر وكولون وونشتسر؟ إن تك تلك قد أقامها صدق العقيدة، فكذلك أقام الأهرام صدق العقيدة، فهي آثار قوم كانوا أهل مجد بقيت بعدهم تشهد بمجدهم، ثم سيدركها الفناء، وقد كان كثير من مثقفي جيل مطران وصبري وأجيال بعدهما إلى زماننا هذا تمسك ببعض قضايا السياسة والاجتماع التي تصدرها أوربا عن واقعها، تمسكًا أعمى، كأنما تبغي أن تتقرب إلى