ثم أطنب في نعت بطلته «جندرك» عدوة الاستعمار
قد نثرتهم جعبة ... ونفضتهم مئبرة
هنا باخ الترنم بسبب إسراف شوقي فيه. فقد صارت «جندركه» حجاجًا أو عبد الملك بن مروان الذي في خطبة الحجاج: «نثر كنانته بين يديه وعجم عيدانها». ثم عادت من حجاجيتها ومروانيتها هانمًا تركية في «نفضتهم مئبرة» - وترك الشاعر مأساة «جندرك» المسكينة أن يلم بها، ولو كانت حقًا نثرتهم ونفضتهم ما أسلموها للعدو والنار ذات الوقود-
من يبن ملكًا أو يذد ... فبالقنا المجررة
إن الأمور همة ... ليس الأمور ثرثرة
ما الملك إلا في ذرى الـ ... الوية المنشرة
هذه المعاني من أبي الطيب ألبسها شوقي لغة الصحافة، وهو ههنا كأنما يفسر مملكة النحل بما جعلها رمزًا له، وهو دولة مصر لو صار ابناؤها نحلاً وخديويها قيصرًا، أو قيصرة جندركية تطرد اللوردات الملاعين.
عرينه مذ كان لا ... يحميه إلا قسورة
رب النيوب الزر ... ق والمخالب المذكرة
أحسبه عنى بالزرق، زرقة الحديد، كناية بذلك عن مضى حدها ثم بعد أن فسر الرمز عاد إليه:
مالكة عاملة ... مصلحة معمرة
المال في أتباعها ... لا يستبين أثره
كما في أتباع ملوكنا يا صاح- هذا مراده إن شاء الله.
لا يعرفون بينهم ... أصلاً له من ثمره
لو عرفوه عرفوا ... من البلاء أكثره
كما عرفنا نحن- وهنا رجعة إلى موضوع الأخلاق. وغمزة من غمزات السياسة:
واتخذوا نقابة ... لأمرهم مسيرة
سبحان من نزه عنـ ... ـه ملكهم وطهره
وساسه بحرة ... عاملة مسخرة
صاعدة في معمل ... من معمل منحدرة
واردة دسكرة ... صادرة عن دسكرة