جال عزرائيل في أنحائها ... تحت ذاك النقع يمسي الهيدبى
فدعيها للذي يعرفها ... والزمي يا ظبية ألبان الخبا
أعلنت فتاة حافظ بينها إعلانًا مفاجئًا هي نفسها له. لم تسبقه بأمرها كما سبقت أم عمرو الشنفري. وما كانت فتاة حي ظعينة يعلق بها القلب ثم ما هو إلا أن تروع المحب حمولة أهلها وهي تسف الحب، وركائبها قد زمت بليل. إنها فتاة عصرية يابانية ضربها مثلاً يستحث به مصر وأمتها التي تنشد العز والتحرر. وقد أحسن حافظ إذ جعل اليابانية التي تذبح الدب الروسي رمزًا لما يأمله من نهضة أمته المصرية العربية المسلمة لتذبح الاستعمار البريطاني وتغوله الصليبي، ذلك بأن اليابان بدأت نهضتها في وقت مقارب لبداية محمد علي إلا أن محمد علي بدأ بالحربية والأسطول في بلد عيون أعدائه عليه متفتحة أشد التفتح بالمراقبة والحذر، والكراهية الدينية العميقة الجذور. فانتهزوا أول فرصة فوثبوا على الأسطول المصري فأغرقوه. وعلى تقدم الجيش المصري فصدوه. ثم دخلوا مصر بتاريخ «استعمارهم» المعروف. وقد كان محمد علي بجهله وغروره مطية من مطاياهم تذرعوا به إلى التوغل في أفريقية وإدخال التبشير من وراء ظهر الإسلام ليطعنوه به. وكان أمر الله قدرًا مقدورًا.
هذا وقد تصرف حافظ في نهج القصيدة. شاعر قصيدته يشكو إخفاقه ونبو سيفه وعقوق الدهر له والخذلان الذي حاق به في مكان نسيب الشعراء. ويأتي بنسيب رمزي فتاته يابانية فارسة مقاتلة هي التي تعلن العزم على رحيل جد، لا رحلة ظعينة على هودج، ولكن رحلة عزم كالتي زعمها طرفة لنفسه ولناقته حيث قال:
على مثلها أمضي إذا قال صاحبي ... ألا ليتني أفديك منها وأفتدي
وجاشت إليه النفس يومًا وخاله ... مصابًا ولو أمسي على غير مرصد
وقد اصطنع حافظ حوارًا خطابي الصيغة، لا يقصد به إلى تمثيل ما يقع من حوار غرامي، ولكن جعله مذهبًا من مذاهب التحضيض والموعظة الحسنة. وقد تلاحظ جانب المبالغة الشعبية الصحفية الفكاهية الروح شيئًا في قوله:
قلت والآلام تفري مهجتي ... ويك ما تصنع في الحرب الظبا