النفس ههنا مصري قاهري خالص. ثم أتبعه حافظ عبارة ذات لون من تفخيم «ما عهدناها لظبي مسرحًا» - ثم فرغ من هذا المعنى نوعًا كأنه تعريض بما عليه حال النساء المحجبات النواعم.
أحسبت القد من عدتها ... أم ظننت اللحظ فيها كالشبا
فسليني إنني مارستها ...
والأبيات التي تلي، على أنها مذهب خطاب، لا أكاد أشك أن حافظًا انتزعها من ذكرى تجربة حرب خاضها حقًا. أو شهدها تخاض. أو كأن قد فعل لقرب عهد بخوضها. وذلك أنه كان في جيش كتشنر الذي حارب الخليفة رحمه الله. وقد وصف قتالهم بخيلهم وحرابهم الواصفون، إذ هم تحصدهم نيران المكسيم، ويقدمون، رجاء الشهادة في «شأن الله» وفي «سبيل الله». ومما يدل على صدق المشاهدة ذكره النقع وهو غبار «كرري». ووصف حافظ قريب في جوهره والصورة الخاطفة التي صورها من وصف المستر تشرشل في كتابه The River War ومما ينبئ بخوف حافظ قوله: «جال عزرائيل في أنحائها» وما كان مشيه الهيدبي، إذ الهيدبي من مشى الإبل، وإنما كان يشد شدًا. وأحسب أن حافظًا قصد إلى التجنيس حيث جاء بـ «هيدبا» من قبل. وقد يكون استشعر في لفظ الهيدبي نوعًا من التهويل. ثم رجع إلى التعريض بحال الحجاب والتنعم مرة أخرى:«وألزمي يا ظبية ألبان الخبا» وفي هذا من روح الفكاهة المصرية بعض الأنفاس. وكذلك في قوله من بعد:
فأجابتني بصوت راعني ... وأرتني الظبى ليثا أغلبا
وقد ألتزم شوقي في مبالغته «جنس النحلة إذ جعلها لبؤة. وحول حافظ نوع الظبية وجنسها معًا فجعلها أسدًا ذكرًا. وفي كلتا الحالتين مذهب الشاعرين قريب من قريب، إذ ما عدوا التصرف في تشبيه البسالة المعروف. ومثل هذا التصرف من طبيعة الأسلوب الخطابي أو الكتابي المبسط الصحفي المنحى إذ اللبؤة والأسد الأغلب ليسا هنا تصويرًا ولكن عبارة لفظية بحتة، كما لو قال شجاعة مع صفة تقويها نحو جد شجاع وحق شجاع وجد شجاعة وحق شجاعة وهلم جرا.
فأجابتني بصوت راعني ... وأرتني الظبي ليثا أغلبا
إن قومي استعذبوا ورد الردى ... كيف تدعوني ألا أشربا