كان حافظ وشوقي وجيلهما في مصر وغيرها من بلاد العرب، والمتأثرون بهم أولئك جميعًا رواد نهضة. وكان شوقي أكثر تجديدًا وأعظم افتنانًا من حافظ بما نظم من المسرحيات والأقاصيص والسير. وكل هذا فارق به أسلوب القصيدة واستحدث به وجهًا جديدًا من مسالك الوزن والقافية غير أن أول مفارقته الخطير الشأن كان هذا المذهب المقالي القصيدي الغنائي- وقد سبق في أوائله مذهبًا، ولكنه هو وحافظ خاصة قد جعلاه طريقًا مهيعًا. ولم يخل حافظ من نظم مسرحي في كلمته.
ليلاي ما أنا حي ... يرجي ولا أنا ميت
ولا من نظم قصصي في عمريته:
حسب القوافي وحسبي حين ألقيها ... أني إلى ساحة الفاروق أهديها
وقد جارى بها وزن بعض مشهورات المدائح النبوية. غير أنه بجعله الفاروق قصد مدحته، إنما ضرب بذلك مثلاً من أمثال روح عصره، التي كان المديح النبوي في أنظار مثقفيها من طابع المحافظة وحالها وكأن ذكر عمر بن الخطاب بمنزلة الرمز لما يرغبون فيه من تجديد مجد الإسلام وفتوحه- فكان عمر في نظر رواد النهضة الإسلامية العصرية التي تمخضت من بعد عن حركة الإخوان المسلمين مثلاً، علم البطولة الذي يحركون به القلوب.
هذا وكما كان رأي شوقي وحافظ وجيلهما الاعتدال في قضية تحرير المرأة- قال حافظ:
أنا لا أقول دعوا النساء سوافرًا ... وسط الرجال يسرن في الأسواق
في دورهن شئونهن كثيرة ... كشئون رب السيف والمخراق
وقال شوقي:
يا طير لولا أن يقولوا جن قلت تعقل
أنت ابن رأي للطبيعة فيك غير مبدل
ابدأ مروع بالإسار مهدد بالمقتل
إن طرت عن كنفي وقعت على النسور الجهل
كذلك كان رأيهما في قضية تجديد الشعر وتحريره من قيوده القديمة أن يكون ذلك فيه اعتدال. وقد كان شوقي كثير الاتباع لشعراء الغرب. حاكى لافونتين وراسين وشكسبير في الأقاصيص والمسرحيات، لا بل في بعض القصائد- مثلاً:«ألا أحبذ صحبة المكتب» فهي على جودتها محذوة على كلمة شكسبير All the world is a stage (كل الدنيا كخشبة المسرح)«وقد عرضنا لأشياء من هذا المعنى في غير هذا الكتاب بتفصيل نحيل القارئ الكريم إليه إن شاء الله».