وللرافعي رسائل من النثر عمد فيها إلى أغراض الشعر وروحه، على نحو ينظر بسلامة أسلوبه وقوة أسره إلى مقامات الزمخشري ورسائل قدماء البلغاء، وبأنفاس وجدانه إلى «الرومنسية» التي منها أشياء في نظرات المنفلوطي وعبراته، ولكن سائرها من نفس الرافعي ووجدانه وتصوفه. وربما خلط بين الشعر والنثر على طريقة المقامة الحريرية أو البديعية- خذ هذه القطعة مثلاً من «زجاجة العطر» في أوراق الورد «الطبعة السابعة ١٣٨٣ هـ ١٩٦٣ م ص ٤٢): «وأهدى إليها مرة زجاجة من العطر الثمين وكتب معها: يا زجاجة العطر، اذهبي إليها، وتعطري بمس يديها وكوني رسالة قلبي لديها. وهأنذا أنثر القبلات على جوانبك، فمتى لمستك فضعي قبلتي على بنانها، وألقيها خفية ظاهرة في مثل حنو نظرتها وحنانها، وألمسيها من تلك القبلات معاني أفراحها في قلبي ومعاني أشجانها. وهأنذا أصافحك، فمتى أخذتك في يدها فكوني لمسة الأشواق. وهأنذا أضمك إلى قلبي، فمتى فتحتك فانثري عليها في معاني العطر لمسات العناق. إنها الحبيبة يا زجاجة العطر. وما أنت كسواك من كل زجاجة ملئت سائلاً، ولا هي كسواها من كل امرأة ملئت حسنًا، وكما افتنت الصناعة في إبداعك واستخراجك، افتنت الحياة في جمالها وفتنتها حتى لأحسب أسرار الحياة في غيرها من النساء تعمل بطبيعة وقانون، وفيها وحدها تعمل بفن وظرف. وأنت سبيكة عطر كل موضع منك يأرج ويتوهج وهي سبيكة جمال كل موضع فيها يستبي ويتصبي .... » هنا عناء وكد أحلى منه عندي انسياب طه وإسماح طبعه. ولكن حظه من الإحساس والتأمل وجودة التعبير وصحته عظيم. وللرافعي شعر هو فيه أسمح طبعًا، ولكنه على جودته لا يضعه في مكان من التبريز كما يضعه نثره- مثلاً قوله في أوراق الورد.
وكم حار عشاق ولا مثل حيرتي ... إذا شئت يومًا أن أسوء حبيبي
وهل لي قلب غير قلبي يسوءه ... ويأخذلي في الكبرياء نصيبي
ألا ليت لي قلبين قلب يحبه ... مريض وقلب بعد ذاك طبيبي
ويا ليت لي نفسين من رئم روضة ... ألوف ومن ذي لبدتين غضوب
وكيف بقلب واحد أحمل الهوى ... عجيبًا على طبعي وغير عجيب
فو الله إن الحب خير محاسني ... ووالله إن الحب شر عيوبي
رنة الشعر وأسره كل ذلك جيد عربي. غير أن هذه المعاني مما قتله كثير وجميل