للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصحابهما قتلاً- فأحسب أن الرافعي قد فطن إلى هذا فالتمس سبيل النثر. وقد كان للرافعي بأسلوبه الجاد المرهف الإحساس الشاعري الروح، على كده فيه ونصبه، أثر كبير على عدد كبير من الأدباء- من بين هؤلاء مثلاً الشاعر «الرومنسي» برومانسية شعراء العرب محمود حسن إسماعيل. هذا، وقد كان العقاد رحمه الله شاعرًا ناثرًا، وفي نثره وشعره كليهما خشونة، كما فيهما جد وصدق وأثر قراءة ونصب. وقد عرف العقاد بهجومه على شوقي في الديوان في باب التجديد الشعري أكثر مما عرف بشعره نفسه. ومن تأمل شعره لم يجده فيه غير سائر على نفس الطريق الذي ساره شوقي وحافظ. وكان يلح على قضايا الفكر بأشد من إلحاحهما فيما يورده. وليس بمخطئ من يضعه في مقدمة شعراء الرومنسية العربية خطئًا كبيرًا. ولكنه أشبه به ما ذكرنا. ومن معاني الرومنسية في شعره أن حديثه عن الحب تخالطه مثالية من تقديس فهم منه خاص للجمال، شديد القرب من معاني صوفية الطبيعة وقدسيتها، وخلود امتلاء الذات بتأثيرها. غير أن أمثال هذه المعاني قديمة في الشعر، واطلاع العقاد الواسع، ولا سيما في أداب اللغة الإنجليزية مما جعل طوع تعبيره كثيرًا مما يرد في كلام شعرائهم من رومنسيين وميتافيزيقيين وشكسبير ومعاصريه إلى زمان براوننغ وييتس ووليم هاردي وغيرهم. وكانت له في بلادنا مدرسة من الأدباء شديدة التعلق بشعره مدمنة القراءة له. ونبئت أن الشيخ الطيب السراج رحمه الله (توفي سنة ١٩٦٣ م) كان إذا ذكروا له العقاد قال:

عقادهم هو كاسمه عقاد ... لا عبقري لا ولا نقاد

وممن تأثر به من شعراء بلادنا يوسف مصطفى التني رحمه الله وأثره ظاهر في ديوانه الصدى الأول، ومما علق بالذهن من أبياهت:

أعبسي لي ففي العبوس ابتسام ... لجمال منوع القسمات

وكان يغلب على الظن أنه تأثر فيه بالعقاد، ولكني أحسبه أخذه من كلمة للرافعي رحمه الله في أوراق الورد يقول فيها (٤٦): -

يا واصلاً بالمعاني ... وهاجري في الكلام

مخاصمي في نهاري ... مصالحي في منامي

<<  <  ج: ص:  >  >>