وكان صديقاي الأستاذ عبد الرحيم الأمين (توفى ١٩٦٨ م) والدكتور أحمد الطيب (توفي ١٩٦٢ م) وكانا واسعي الاطلاع في العربية والإنجليزية، يقدمان العقاد في غير إفراط ويذكران له قصائد ربما تقدم بها عندهما على شوقي، منها رائيته في ديوانه الأول التي عنوانها «الدنيا الميتة» وما أشك أنه حذاها على رائية الإمام البرعي التي من رويها وبحرها ثم ألبس مواضع ضروبًا من الزي الأفرنجي كما قد جارى بلا ريب رائية أبي نواس «أجارة بيتينا أبوك غيور» ورائية ابن دراج- إلا أن نفس البرعية في رائية العقاد هذه أظهر وأخذه منها عن معاصريه أخفى لمعرفة أكثر الأدباء الأفندية بأبي نواس وابن دراج وجهلهم البرعي، وما كان مكانه ليخفي على العقاد لعلمه ولأسوانيته معًا. هذا وقد قدم لها في الديوان بكلمة متعمقة، مما جاء في قوله:«وقد ترى الرجلين يجلسان في حجرة واحدة أحدهما يوحد لو يبخع نفسه لقبح الدنيا في عينيه، والثاني يود لو يعمر أبد الأبيد ليشتف جمالها وبهجتها، فهل يقال في هذين إن عالمهما واحد؟ فمن هنا ساغ لنا أن نقول إن العالم تموت نسخة منه كلما مات إنسان .... » ثم تجئ القصيدة وهي ستة وأربعون بيتًا نوردها هنا كاملة، وقد مضى الاستشهاد بأبيات منها في الجزء الأول، ولعل ما قلناه هناك من تعليق ألا نحتاج إلى مزيد عليه ههنا:
أحبك حب الشمس فهي مضيئة ... وأنت مضيء بالجمال منير
أحبك حب الزهر فالزهر ناضر ... وأنت كما شاء الشباب نضير
هنا كما ترى تعلق الرومنسية بالطبيعة. والحب لا يحتاج صاحبه أن يعلله ويبرهن على صحته. وما من محبوب يرضيه أن يحب كحب الشمس. نعم يرضيه أن يقول له العاشق بلسان المقال أو الحال أنت شمس حياتي أما أن يقول له أحبك لأنك مضئ كما تضئ الشمس، فلعل آخر أن يكون هو أيضًا مضيئًا كما تضئ الشمس. وأحسب أن العقاد إنما أتى من محاكاة كلمة شكسبير:
Shall Icompare thee to a summer's day? Thou art more lovely and more temperate:
Rough winds do shake the darling buds of may.
إلى آخر ما قاله فيها وهي الثامنة عشرة من قطعة التي يقال لها sonnets (أغنيات) وقد أحترس شكسبير حيث ذكر الشمس والزهر ولم يحترس العقاد. وقد صدر شكسبير في