الذي يرمي إلى استعمال اللغة العامية السهلة، لغة الصحافة، لغة تفاهم المثقفين- لغة ثورة الرومنسيين التي عبر عنها «ورد زورث» وعبر عنها «الديوان» حين ثار على جمود شوقي، وعبر عنها «ميخائيل نعيمة» في «الغربال»، وعبر عنها المهجر، - لغة القلب والوجدان.
أما أحمد زكي أبو شادي، صاحب أبولو، وقائد العير إلى دار الجهاد، فكان امرأ شديد الطموح، ضعيف الحظ من تذوق ديباجة الشعر العربي، ضعيف الإحساس برنة نغمات أوزانه القوية ما كان منها جزلاً أو ذا رقة، ذا حظ من الأفكار «الرومنسية» كبير، ومن الأفكار التي قد تدور بها بعض خواطر مثقفي العلم الحديث، ولكنه كان ذا حظ قليل من حاق وجدان القلوب الذي يكون في الشعر. واعلم أن وجدان القلوب الذي يكون في الشعر ليس ضربة لازم هو وجدان القلوب الذي يكون عند الانفعال الذي نحسه ساعة الغضب أو الحزن أو الفرح الطارئ وما أشبه. وقد مر من أمثلة نظم أحمد زكي أبي شادي شيء ذكرناه في أوائل الجزء الأول وهو قوله:
أهلاً أبو قردان ... يا منقذ الفلاح
كلاكما قد هان ... واستمرأ الأفراح
فنحيل القارئ الكريم إلى ما علقنا به عليه هناك.
وطبيب آخر، ضعيف الحظ من العربية، عظيم الحظ من وجدان القلوب الذي يكون في الشعر، لو تعهده بما يتعهد به الشاعر الحق فنه، لكان بلا ريب سيجيد- لو حرف لما كان سيقع لوقوع غيره. رحم الله الدكتور إبراهيم ناجي (١) ورحم الدكتور طه حسين إذ قال فيه «إنه من هؤلاء الشعراء الذين يحسن أن تستمتع بما في شعرهم من الجمال كما تستمع بجمال الوردة الرقيقة النضرة دون أن تشتط عليها بالتقليب والتعذيب. هو شاعر هين لين رقيق حلو الصوت، عذب النفس، خفيف الروح، قوي الجناح. شعره أشبه بما يسميه الفرنجة موسيقًا الغرفة منه بهذه الموسيقا الكبرى التي تذهب بك كل مذهب وتقيم بك فيما تعرف وما لا تعرف من الأجواء.» -
ولا ريب أن الوردة التي كره طه رحمه الله تقليبها وتعذيبها قد قطفت- فهي ضعيفة «بالقوة» كل الضعف.
وهاك مثالاً من تغنيه الذي هو موسيقا غرفة، ووردة ستذبل مع التقليب.
(١) ولد بمصر في ٣١ ديسمبر ١٨٩٨ وتوفي ٢٣ مارس ١٩٥٣.