الشجر والثمر والزهر. ولكن شاعرها الرومنسي برومنسية ابن المسجد المحني الضلوع على ألوان من الثورة على المسجد، هو أيضا ابن مدينة قليل التعلق بتفاصيل جمال الريف. الطبيعة التي يعشقها هي طبيعة هذا التصوف الحضاري الجديد المنبعث من العرب ولا ليلات نشيد الأذكار الصوفية والمدائح النبوية، ولكن من توهم ترانيم كنيسة في القلب. من العجب أن إيليا أبي ماضي ليس في نونيته من الكنيسات كما في دالية الشابي هذه.
على أن للشابي مقدرة الخطابة المسجدية ذات المترادفات والمتزاوجات الكثيرة. ثروة من التدفق اللفظي. أما المعاني- بل تأمل هذه الأبيات: -
فأواه الحياة في مونق الحسـ ... ـن وجلى له خفايا الخلود
أنت روح الربيع تختال في الدنيـ ... ـيا فتهتز رائعات الورود
وتهب الحياة سكرى من العطـ ... ـر ويدوي الوجود بالتغريد
كلما أبصرتك عيناي تمشيـ ... ـن بخطو موقع كالنشيد
في ذا البيت محاولة تعبير انفعال صحيح عبر عنه الشاعر بأمر لعله كان يراه ويعرفه وهو هذا الحقل المجرود- هذا البيت من التفاصيل النادرة في القصيدة ولكن له أصلاً من مادته القرآنية كما لا يخفي وأحسب أن هذا هو أصل التعبير لا تجربة المشاهدة والله تعالى أعلم.
وانتشت روحي الكئيبة بالحـ ... ـب وغنت كالبلبل الغريد
أنت تحيين في فؤادي ما قد ... مات من أمسى السعيد الفقيد
وتشيدين في خرائب روحي ... ما تلاشى من عهدي المجدود
هذا البيت تكرار للذي قبله.
من طموح إلى الجمال إلى الفـ ... ـن إلى ذلك الفضاء البعيد
وتبثين رقة الشوق والأحـ ... ـلام والشدو والهوى في نشيدي
بعدما عانقت كآبة أيا ... مي فؤادي وألجمت تغريدي
معانقة الكآبة للفؤاد وإلجامها للتغريد فصاحة مسجدية الأصول (من أبي تمام مثلا) عصرية الفروع. ثم تجئ التأعصرات بالمعاني المسيحية والأساطير الرومية: