للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كأن في كلمة «البطاح» قلقًا إذ البطاح لا تقابل القرى، إذ القرية قد تكون بالأبطح وغيره. وهل عنى بالقرى ما كان «بأم درمان» من حلل كالمتفرقات، بينهن ضروب رواب وحفر وبطاح؟ أم ليست شعري هل رأي، هل اتفق له أن رأى ديار أصول أهله وعبر النيل من ناحية المحمية حيث المطمر والجبل والمباني على التل والظلال قد تنتشر من ثم إلى الأبطح فعلقت هذه الصورة بذهنه؟ ويظهر من حديثنا مع من لقينا من أهله أنه لم يرم أم درمان.

ومشى بارما يدفع رجليـ ... ـه ويبكي بقلبه الملتاح

صورة الرجلين وقد يركل حجرًا هنا وحجرًا ثم، جيدة بالغة.

ضمحت ثوبه الدواة وروت ... رأسه من عبيرها الفياح

كأنه كان يحمل الدواة على رأسه أو يمسح رأسه بالقلم. ومداد الدواة من السكن [بالتحريك] وهو في عاميتنا السواد الذي تتركه النار على الآنية مع الصمغ ولذلك فيح من تخمير الصمغ. ولعل الغلام كان يلبس خرقة واحدة فوق السراويل، وكانت تلك عادة قومنا حتى جاء تغيير هذا الزمان. رووا عن الشيخ ود الشيخ الطاهر المجذوب رحمه الله أنه قدم «البقعة أي أم درمان» أول أيام الاستعمار بالقوب مخالفا بين طرفيه، كما جاء في السنة وكذلك كان لباس الناس عندنا عامة والفقراء» [أعني العلماء] خاصة. وإنما استقدم الشيخ رحمه الله تحت المراقبة لسابقة قتاله الكفرة مع عثمان دقنة رحمهما الله تعالى. وكان الشيخ البدوي، رحمه الله، شيخ الجامع وكبير العلماء آنئذ قد شفع فيه فلم يعدم، وأشار عليه بأن يتخذ زي العلماء وهو الجبة والقفطان والعمة ذات الطربوش الأحمر المغربي فأبى واحتج فيما ذكروا بأن الثوب الذي يلقى به ربه في الصلاة ليس أحد من البشر، حكام أو سواهم، بأكبر من أن يلقاه فيه، رحمهم الله جميعًا:

ورمى نظرة إلى شيخه الجبـ ... ـار مستبطنا خفى المناحي

نظرة فسرت منازع عينيـ ... ـه ونمت عما به من جراح

الذي رمى نظرة غلام شيطان ناشئ وهذا الذي به جراح هو التجاني الشاب الذي يريد حطم القيد وقد ثقلت عليه قيود الحياة ويحس في أغوار صدره وجع المرض ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>