للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انظر أيها القارئ الكريم إلى هذه الصورة من قراءة «حيران الخلوة» أي غلمانها المفرد حوار بتشديد الواو وتخفيفها وضم الحاء المهملة

ونفوس سجا الكرى في حواشيـ ... ـها ودب الفتور في الأرواح

هذه قد تكون نفوس ركب مسافرين. وهذا من التجاني فيه جمع بين إطناب بالكلمات كأنما هي المرادة لجرسها دون ما تدل عليه من صور، وبين محاولة التصوير في نفس الوقت. هذا التلذذ والتصنيع هو من باب ما قدمناه أولاً من تليين في صياغته هو بى ريب جزء من نعومة «الرومنسية» الانتماء إلى رونق حضارة العصر وأناقتها بتخير اللفظ الفصيح الحلو المتحضر ذي الظلال

فارجحنت مهومات وما تبـ ... ـرح مركوزة على الألواح

» ما تبرح إلخ» عربي فصيح. «فارجحنت مهومات» ألفاظ متخيرات لهن ظلال. ولو قد أراد التجاني أو سمحت نفسه لشدة الأسر لكان يؤثر الخلوص إلى إنجاز الصورة واضحة على البدء بتزيينها قبل تمام الإنجاز، تأمل قوله:

كلما لفها النعاس وأضفى ... فوقها عالما ندى الجناح

قصف الرعد في المكان ودوى ... مرزما صاخبا قوي الصياح

فهذا ما ترى من الاستعارة المرشحة [لفها- أضفى] والتشبيه المشتمل على إشارة قرآنية (أضفى فوقها عالمًا ندى الجناح) من قوله تعالى: {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة} وفيه نظر إلى قول ذي الرمة:

طراق الخرافي واقع فوق ريعة ... ندى ليلة في ريشه يترقرق

وبعد قوله: «قصف الرعد» إطناب ضخك في قوله: دوى، مرزمًا، صاخبًا قوي الصياح. ثم يقول من بعد:

فاستفاقت وهيمنت بعض أشياء ...

وهذا نعت صلت مباشر وصورة حال الصغار إذ ينام منهم من ينام إعياء ويتناوم من يتناوم عفرته، ثم يزجر الشيخ الجبار- كالحجاج بن يوسف- زجرته فيصحو النائم والمتناوم ويهينم الحوار إذ يكون قد نسى موضع ما يبدأ به. قوله: «هيمنت» على حسن

<<  <  ج: ص:  >  >>