للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نهارها الأحمر الأغبر «وقد خبء آل الأمعز المتوقد» كما قال طرفة بن العبد في المعلقة.

قال التجاني رحمه الله: يضطر «بروميناد» الخرطوم من ضروب نصاراها وأجانبها ونابتة مظاهر نعمائها وشرائها [وقد مرت هذه الأبيات في معرض الحديث عن بحر المجتث في الجزء الأول من المرشد، وكان زميلنا الأستاذ حسن الطاهر زروق رحمه الله وجعل الجنة مثواه يحسن الترنم بها صوت عذب الشجي عميق]: -

أمنت بالحسن بردا ... وبالصبابة نارا

وبالكنيسة عقدا ... منضدًا من عذارى

وبالمسيح ومن طا ... ف حوله واستجارا

إيمان من يعبد الحسـ ... ـن في عيون النصارى

وأبت هذه الأبيات إلا أن تعلن إسلامًا- البرد والنار من سورة الأنبياء «قلنا يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم»، والطواف بالبيت الحرام والجوار بالحرمين، وركز الجامع رايته وثبت ثباتًا بالرغم من إيمان ابنه بعبادة الحسن في عيون بنات نصارى الخرطوم. وللتجاني رحمه الله شعر ذكر فيه وحدة الوجود بشيء بين التأمل والتصوف:

الوجود الحق ما أو ... سع في النفس مداه

والسكون المخض ما أو ... ثق بالروح عراه

كل ما في الكون يمشي ... في حناياه الإله

هذه النملة في رقـ ... ـتها رجع صداه

هو يحيا في حواشيـ ... ـها وتحيا في ثراه

وهي إن أسلمت الرو ... ح تلقتها يداه

فهذه أفكار وحدة الوجود التي سهكتها كثرة الاستعمال. وللتجاني كما قدمنا حذق وشغف باختيار اللفظ ورنين النغم، فهذا مما تأعصر به ومما يباعده من نوع رومنسية الدفاع عن القديم عن أخذه منها بنصيب. وطبع التجاني جيد. لعله لوكان مد له في الأجل، «لكل أجل كتاب»، لكان أسمح به إسماحًا.

أحسب أن مكان التجاني رحمه الله في مقدمة الإجادة الرومنسية، غير أنه أجحف به كونه من أم درمان، بقعة المهدي المباركة، القصية جدا عن مراكز التقدم والحضارة العصرية العربية. صدق صاحب معجم البلدان يا قوت حيث زعم في حديثه عن تلك أنها أشبه بلاد الله باليمن وأن في عيش أهلها شدة، لعله منها، أنه قلما يفطن إلى مكان المحسنين من أهلها مؤرخو الأدب وأصحاب التراجم. ولليمن، وهي أصل العرب، وهي الغنية بذخائر الكتب وفطاحل العلماء وفحول الشعراء من الإهمال

<<  <  ج: ص:  >  >>