للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قسط وافر. ولعل ذلك كله خير فليس كل الشهرة بسعادة.

هذا، ومن شعراء الرومنسية الذين ينبغي أن ننبه على مكانهم محمود حسن إسماعيل رحمه الله، لا من أجل مجرد أنه من أسماء الرومنسية من هذا الضرب الرابع على الأرجح ونماذجها، ولكن لأنه كأنما هو نموذج لضرب لو كان أصلا قائما بنفسه لجعلناه ضربا خامسا. ذلك بأنه شاعر أخاذي تلفيقي.

أصل التلفيق في الفلسفة ألا يلزم الفيلسوف مذهبا بعينه، ولكنه يؤلف لنفسه مذهبا من مذاهب متعددة، ليس واحد منها له. يقال لذلك باللغة الإنجليزية Eclcctic [إكلكتك] واشتقاقها من اليونانية التي من فلاسفتها أخذ المعنى. ثم قيس على ذلك كل ما يذهب إليه من تلفيق المذاهب مفكر أو فنان على وجه الاستحسان فيجعله منهجًا أو كالمنهج لنفسه. انتماء محمود حسن إسماعيل رحمه الله إلى صناعة من الشعر تجنح إلى الضرب الرابع. وتستعين ما للرافعي رحمه من إغراب، وقد مرت منه أمثلة. وتأمل قوله: في «أوراق الورد» [ص ٤٤] «فالعاشق الرقيق على فرط رقته هو لفرط رقته وحش في عالم الحب، ما منه فكر لو فتش إلا فتش عن معني يفترس، إذ يشعر بالحياة في نفسه لا غذاء لها إلا بمعاني حبيبته، فيأكلها حتى بالنظر، «ويفترسها حتى بالخاطر».

ههنا عنصر ما يسميه «ماريو براز» ظلال «المركيز دي صار»، أي «السادية» التي تلتذ بنوع من افتراس المحبوب وإيجاعه. احترس الرافعي رحمه الله فجعل افتراسه بالنظر. وهو للمتأمل افتراس كما تفترس الضياغم. ومكان الإغراب اللغوي لا يخفي وهو المقصود الذي تعمد الرافعي، نضر الله ثراه، القصد إليه- «يأكل حتى بالنظر ويفترس حتى بالخاطر». وتأمل قوله: أيضا في «أوراق الورد» يخاطب القمر [ص ١٧] «من شبهك بوجهها أزهر الضوء فيك ما يزهر اللحم والدم فيها، فتكاد أشعتك تقطف منها القبلة، ويكاد جوك يساقط من نواحيه تنهدات خافتة، وتكاد تكون مثلها يا قمر، مخلوقًا من الزهر والندى وأنفاس الفجر» - ههنا إغراب ناعم كقول الرومنسيين الإنجليز في لغتهم honey- dew أي «ندى العسل».

كمثل عناء الرافعي، رحمه الله، وتصيده للمعاني وإغرابه تجده عند محمود حسن إسماعيل- مثلا:

عابد النور جاء للنور يشكو ... ظمأ في الحشا لسحر ضيائه

وعلى الجفن ضجة مات فيها ... ألق النور والتماع سنائه

وخبت بهجة الحياة وأضفى ... بؤسها لوعة على لألائه

<<  <  ج: ص:  >  >>