للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حنت الأعين الظماء إلى الحسـ ... ـن وحنت دموعها لبهائه

وتمشي الهوى بأهدابها السو ... د فكادت تضئ من كهربائه

«كادت تضئ من كهربائه» كأنما جيء بها اختلاسًا من الرافعي- مصطفى صادق الرافعي رحمه الله- من طريقة نثره التي قدمنا. ومن معادنها ضجة الجفن وموت ألق النور فيه وإضفاء اللوعة على اللألاء.

على أن الرافعي عناؤه الأكبر وتصيده للمعاني والصور في النثر، وطبعه أسمح بالشعر، وكأن الإغراب في نثره حين يرومه شعرًا يفلت من بين يديه ويرجع به إلى مذاهب العذريين أو أصحاب البديع أو ما هو من مألوف طرائق النظم:

يا أفق هل خفت من شرارة ... تحت الضلوع اسمها الفؤاد

هذا لو وقع في نثر فيه صناعة المزاوجة وتقعيدها لكان إغرابًا. ومما جاء في الكلمة التي منها هذا البيت والضمير في قال يعود على الأفق:

فقال وجه نرى خياله ... في قلبك الحامل الضرر

ارجع فلو أن ذي الغزالة ... تغازل النجم لا نفجر

ومن معاني الغزالة الشمس أيضًا. وقوله «لا نفجر» ذو روح عصري علمي أو علماني ولو كان قال «لا نكدر» لكان ذلك قرآنيًا أشبه به، وأحسبه لم يرد إلا المعنى العصري والله تعالى أعلم. قال البهاء زهير (ت ٦٥٦ هـ):

فضح الغزالة والغزال فتلك في ... وسط السماء وذاك في وسط الفلا

عجبًا لقلب ما خلا من لوعة ... أبدًا يحن إلى زمان قد خلا

ورسوم جسم كاد يحرقه الجوى ... لو لم تداركه الدموع لأشعلا

أحسب أنه لو عاش البهاء زهير في بعض هذا العصر لعد من الرومنسيين بنحو قوله:

لي إلف أي إلف ... هو روحي هو حتفي

غاب عن طرفي وقد كنـ ... ـت أراه مثل طرفي

قبلي يا ريح عني ... راحتيه ألف ألف

ومما ألح محمود حسن إسماعيل على الاستعانة به شعر أبي تمام. وأمثلة أخذه منه كثيرة. ليس ههنا موضع إكثار منها ونكتفي أن نشير مثلا إلى قوله: -

وتمشي الهوى بأهدابها السو ... د فكادت تضيء من كهربائه

هجرت كوخي وهوى سحره ... وعشبه الزاهي ونواره

<<  <  ج: ص:  >  >>