للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طويل. ورب شيء كهذا، كما يقول سيبويه. وذكروا أن أبا عمر الجرمي لما خشي هو وآخرون معه أن يدعى سعيد بن مسعدة كتاب سيبويه حملوه حملا على إظهاره للناس. ولعل هذا الخبر باطل لما نص عليه ابن جنى في الخصائص أن صدق أبي الحسن يكاد يعلم بالضرورة.

وكاد هنا تنفى «بالضرورة» لا الصدق نفسه وأبو الحسن هو سعيد بن مسعدة الأخفش الأوسط. وسقنا هذا الخبر لمناسبته ما قبله. وقيل إن الأديب الشاعر الذي بعث إليه التجاني ديوانه هو الدكتور إبراهيم ناجي، رحمهما الله.

هذا، وقوة الشبه في موضوعات الأوصاف بين التجاني ومحمود حسن إسماعيل أحسبه من تلفيقية محمود حسن إسماعيل، أعني مذهبه الأخاذي المتنقلي بين المذاهب التلفيقي من أصنافه (electic أي الأكلكتكي). يأخذ ويفتن بزيادة صنعة فيما يأخذه. وهذا كأنه أدنى إلى السرق منه إلى التوليد الذي مدحه البرقوقي رحمه الله في صناعة أبي الطيب. وكان محمود حسن إسماعيل نحلة تمتص كل زهرة ثم تعمل لتزيد على ما أخذته وهو ماء نوار ورحيق ضروب أزهار تصييره بعملها عسلاً كثيفًا وشمعًا. غير أنه رحمه الله يشارك النحلة في العمل وجده وكده والمرام الذي يرومه به، ولا يشاركها فيما نصيبه من الزيادة على ما أخذته إلا جهد العمل المفرط نفسه، وذلك لعمري هو العناء (١). وكأنه من ذكره النحلة مرارًا في شعره صريحًا كما في قوله:

ويخلو مع النحل في ربوة ... منغمة الصوت من غير عود

وقوله:

ينهل الفلاح من كوثره ... ريقة النحل وسلسال الدماع

خفف ميم الدماع والوجه تشديدها بوزن الرمان أي ما يسيل من العنب

وقوله: بين ترتيل السواقي ... وزفيف النحلات

وقوله: لها طنين النحل في قفرة ... يهماء لم تبق على شهده

أو مضمنًا في استعارة ومعنى تشبيهي كقوله:

أو مصت الأنواء ... من زهره الأفواف


(١) وجدت بعد الفراغ من كتابي كلمة د. أنس داود يذهب إلى وجه مقارب ما ذهبت إليه في كتابه «شعر محمود حسن إسماعيل» مصر ١٩٨٦٦ ص ٤٩ - إذ ينفي عنه الإيحاء فتأمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>