للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلمة محمود حسن إسماعيل التي ذكرنا أن لها لونا بودليريا (نسبة إلى الشاعر الفرنسي الغامض بودلير ١٨٢١ - ١٨٦٧ م Baudelaire) في عنوانها وهي أحزان الغروب (ص ١٥٢) ما كاد يترك فيها من الريف شيئًا، الثور والساقية والنيل

تحكي سفائنه في الليل سائرة ... عرائس الحلم في مهد الرعابيب

القافية قلقة وأحسب أن بعض سبب ذلك كونها صفة لم تعتمد على موصوف قبلها. والشفق الباكي ودخان الكوخ وكدح الفلاح.

طعامه لقمة عفراء يابسة ... والماء من أكدر في النز مربوب

ومهده لا تسل إن لفه وسن ... عش الهوام ومهد للعناكيب

ثم ضجة الضفدع وإنشاد الرعاة والحداء، والبومة في وحشة الليل والجندب الذي يصر في النخاريب (أي شقوق البيوت كما فسرها ولذلك وجه وأصل النخاريب فتحات شمع الشهدة وفي القاموس النخروب بوزن فعلول بضم أوله الشق في الحجر فشبه الشاعر شقوق الجدار بذلك) -

ثم النوم ذو الأحلام- الصحو إلى الشقاء- صوت الساقية:

يا نغمة في المسا طارت مولهة ... حيرى تدفق من نأى الدواليب

كأنها خفقة من قلب محتضر ... يشدو بها العمر في لهف وتكريب

ماذا شجاك فرتلت الأسى نغمًا ... ورحت نواحة بين المطاريب

النور حين ذوي في الحقل ناضره ... ولملم الضوء في تلك المحاريب

ونام في حضن زنجي قد اتشحت ... متونه بدجى كالهم غريب

محمود حسن إسماعيل مجتهد معتمل. ولكنه قلما يتنبه لملاءمة التشبيه حقا لموضوع الوصف أو المعنى الموصوف، كجعله صفرة نوار القطن ذبولاً، وكوصفه جنازة البنت الطافية بالفتنة وجنائز الغرق يضرب بها المثل في سماجة المنظر، وكتشبيه صوت الساقية بغرغرة المحتضر وسياقه ولو قد لزم التشبيه بالناي لكان ذلك أصوب وأدق من القيثارة، وتهدد صوت الساقية وتهزمه أشبه بالناي في الشجو وجمال الإيقاع منه بالسياق والغرغرة وما فيه من قوة الحيوية يصل إلى أعماق القلوب. وكجعله الليل- الذي هو في البديع زنجي أو زنجية- ضجيعًا للنور مثل زنجي الف ليلة وليلة الضخم المشافر ومعشوقته البيضاء التي خانت أميرها وحولت نصفه الأسفل حجرًا بسحرها- أم كل هذا نفس بودليري كتشبيه تساقط أوراق الخريف بإعداد ألواح صندوق جنازة

<<  <  ج: ص:  >  >>