للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وستارتان إذا تحركتا ... أبصرت وجه الله خلفهما

كوخان عند البحر هل سنة ... إلا قضيت عندهما

الشمس منذ رحلت مطفأة ... والأرض غير الأرض بعدهما

نظر نظرًا شديدًا بل أخذ وسرق من هذا الجزء الثاني من نشيد خريف بودلير

قلنا في أخريات الجزء الثالث من المرشد بمعرض الحديث عن هذه الأبيات إن فيها أصلاً جاهليًا يمكن رد بعضه إلى متجردة زياد- ثم أضفنا: [ص ١٢٧٥ طبعة ١٩٧٠ م]:

» ثم إن صورة العينين واضحة حية والإيحاء المنبعث منهما قوي- قوي في هذه الخضرة الشاملة ذات العمق التي كالبحر، وفي هذا الإشراق البهج الدافئ، كالمأوى عند البحر حين تهب الرياح، أو كالرمل عند البحر، أو كالبحر نفسه حين يفيض ضوء الشمس، وفي هذا السجو الأهداب، وأحسب أن هذا الوضوح مع ما حوله وما ينبعث منه من إيحاء، مزيج من الاشتهاء واللوعة، يغفر لهذه الأبيات بعض ركاكتها وأوزارها. وريب أن هذا الوضوح فيه رجعة إلى المذهب الجاهلي كما ترى.

وعسى هذا ونحوه من نزار وغيره من المعاصرين، أن يكون بادرة نهضة، كما كان العثور بالصبايا الثلاث والحذو عليهن بادرة النهضة في الفن الأوربي والله تعالى أعلم وبه التوفيق. ا. هـ.».

فيضاف إلى هذا أن معنى فتنة العينين وحرهما قديم، قال غيلان

وعينان قال الله كونا فكانتا ... فعولان بالألباب ما تفعل الخمر

وتسمية العين عينا فيه معنى الماء والعمق. وقالوا في تفسير: «قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورًا فمن يأتيكم بماء معين» أن أحد الزنادقة قال تأتينا به المعاول والفئوس فأصلح لزندقته أعمى قد ذهب ماء عينيه.

مع هذا قلما نجد شعراء العرب القدماء يشبهون العين بالبحر أو يذكرون عمقًا في ذلك أو سباحة، كأن قد اكتفوا بأن ذلك مضمن في قولهم عين ومحاجر العين كما يقولون عين الماء وحجرة البحر فنزار قباني، في الرجعة الجاهلية التي رجع به إليها، إنما أصال ذلك من طريق محاكاته لبودلير. قوله: «عيناك إني منهما لهما» تعبير صحفي لا طائل وراءه وهو ما أشرنا إليه من قبل من معنى الركاكة. وقوله: «يومًا فيومًا في اخضرارهما» فهذا قول بودلير: «أحب من عينيك الطويلتين نورهما المخضر» عني بالطويلتين طول أهدابهما ولو قلنا من «عينيك السلهبتين» كان أجود في الترجمة ولكن

<<  <  ج: ص:  >  >>