للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تداخلت عناصر التجديد والثورة والصراع المذهبي «الأيديولوجي»، بعد الحرب العالمية الثانية (١٩٣٩ - ١٩٤٥ م) وبعد سنوات الخمسين من هذا القرن الميلادي العشرين.

ظل البارودي رحمه الله هو فارس القصيدة العربية الأصيلة حقًا، مشرفًا بأصالتها وجزالتها وقوة أسرها وصفاء ديباجتها على جميع ضروب التجديد وجنده الدخيل.

ولكن بلاد العربية لم تخل في الجزيرة العربية ولا في العراق ولا الشام ولا مصر ولا المغرب كله إ بلاد شنقيط ولا في بلاد سنار والسودان العربية كلا ولا في سائر بلاد الإسلام من أنفاس فحولة ومحافظة على الجزالة وإتقان. إليك مثلا شعر الشاعر النجدي محمد بن عثيمين رحمه الله (١٢٧٠ - ١٣٦٣ هـ) وفيه من الجزالة وجودة الديباجة ورنين القصيدة القديمة أنفاس جيدات. قال رحمه الله:

نعم هذه أطلال سلمي فسلم ... وأرخ بها سيل الشئون وأسجم

أقول لصحبي والمراسيل ترتمي ... بنا سهما ترمي الفيافي يسهم

كان هذا قبل السيارات والطائرات، على أن هذه ربما وجدت هي أيضًا سهمًا ترمي الفيافي بسهم- وطريقة تجنيسات أبي تمام كما ترى أيها القارئ الكريم:

ألا عوجة منكم على الربع ربما ... شفيت الذي بي أو قضيت تلومي

فهذا نحو من قول غيلان: «خليلي عوجًا من صدور الرواحل»

فعاجوا فغطت ناظرة العين عبرة ... فلم أتبين شاخصًا من مهدم

أجدكما أن لا أمر بمنزل ... لمية إلا أمزج الدمع بالدم

ولا أستبين البرق يفرى وميضه ... جلابيب مسدول من الجنح مظلم

و» جلابيب» هاهنا من قول حبيب:

حتى كأن جلابيب الدجى رغبت ... عن لونها أو كأن الشمس لم تغب

وقوله: «إلا أمزج بالدمع» من مبالغات الشعر المعروفة المألوفة ولم يخل من أخذ الرنة واللفظ من البوصيري رحمه الله:

أمن تذكر جيران بذي سلم ... مزجت دمعًا جرى من مقلة بدم

واسم مية فيه ظلال غيلان بلا ريب .. قوله: «فلم أتبين شاخصًا من مهدم»

<<  <  ج: ص:  >  >>