إلا بفن التخلص الغالب عليها، وهو قليل عند البحتري وببعض الزلات اللفظية التي لا تصدر إلا عن أبي الطيب نحو قوله:
إني على شغفي بما في خمرها ... لأعف عما في سراويلاتها
ولا يكاد يشك من يعرف شعر المتنبي أن قصيدته:
أمن ازديارك في الدجى الرقباء
تخالف مذهبه في سائر شعره. وأما الميمية:
لهى النفوس سريرة لا تعلم
فرديئها أكثر من جيدها، وأبيات الحكمة فيها مفردة، وهي من طراز الحكم التي في زينبية صالح بن عبد القدوس.
وشاعر آخر غير المتنبي امتاز بالتأمل والحكمة -أعني أبا العلاء المعري- تعاطى الكامل وأجاد فيه. وهذا لا ينقض حجتنا في أن الكامل ليس ببحر تأمل. ذلك بأن المعري كان حاذقًا في صناعة الشعر، متعدد المواهب. وكاملياته في سقط الزند وهي قليلة نحو:
أودى فليت الحادثات كفاف
من الغناء المحض. وكاملياته في لزوم ما لا يلزم، إما أن يغلب عليها جانب الغناء، وإما أن يغلب عليها جانب الوصف التصويري نحو ميميته (١):
لو كان لي أمر يطاع لم يشن ... ظهر الطريق يد الحياة منجم
وقفت به الورهاء وهي كأنها ... عند الوقوف على عرين تهجم