للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأقول: تصير الدنيا حينئذ كوكر امرئ القيس الذي وصفه في قوله:

كأن قلوب الطير رطبًا ويابسًا.

ولا نلقى امرأ يحيا ... لغير العطف والحب

ونغدو زهرة الآس ... شعار الحب في الناس

هذه الكلمة من الهزج، وهو بحر حلو صالح للتسميط، ولكنه لا يصلح للهجين من الألفاظ.

وقصيدة نعيمة -أخي إن ضج بعد الحرب- كلها تدور حول معني القسم الأول منها، وهو معنى معادٌ مكرورٌ مسروق من أشعار موريس برنج وروبرت بروك. وما نسبه الدكتور محمد مندور إلى هذه القصيدة من معاني الهمس (في كلمة له قديمة نشرت في الرسالة او الثقافة عنوانها: الشعر المهموس) شيء غامض كل الغموض. ولعله أعجبته كلمة "أخي" فعد ذلك همسًا. ونظام نعيمة في التقفية على وجه الإجمال من الكلفة والصناعة بحيث يمنع من الاسترسال في المعاني، ويجبر الشاعر على التكرار، ويجعله عبدًا لزخرفٍ كنسج العنكبوت.

وأبيات أبي الوفا الهزجية التي ذكرناها، وصفها السحرتي بأنها ذات أسلوب مباشر مبتدع سلس الحركة - "إسبنتانيوس" كما يقول الإنجليز- ووالله إني لأقرؤها ثم أقرؤها فلا أحصل إلا على ألفاظ مرصوصة في شكل هندسي- "وادي- نسائمه-نينا- حمائمه- بينا- آس- ناس- دنيا- قلب- يحيا- حب- آس-ناس".

والتركيب ضعيف من ناحية النحو، والمعنى واحد متكرر، وليس التعبير عنه بذي حرارة، ولكنه باهت خافت.

ومما يغيظ محب الشعر أن يجد هذه المعاني الجليلة العالية، التي أفصح عنها كبار الأنبياء والمتصوفة أعمق إفصاح وأنصعه. ممسوخة مشوهةً في أشباه هذا العبث

<<  <  ج: ص:  >  >>