للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأدغم التنوين في الشين المشدد تبعا لقراءة أبي عمرو في «أهلك عادا الأولى» [عاد أولاً] (١) وبها قرأ المهدي رحمه الله في صباه.

المهدي في هذه القصيدة صاحل ثورة ومحافظة معًا، وقد اجتهد في معاني الثورة ولكنه كأنه عير مقتنع بصحتها كما هو مقتنع بالقيد والمحافظة. من أجل هذا في أداء الأجزاء الثائرة من القصيدة نوع من عناء فكري وغموض مع جهارة المنحى الخطابي ووضوحه. الشاعر مقدام جرئ على التعبير الثوري، ولكنه في نفس الوقت فزع الروح من هذه الجراءة نفسها غير مقتنع حقًا بها- خذ مثلاً قوله: -

ناد العبيد عبيد الشعر هل حصدوا ... إلا ندامة مداح وهجاء

يلقى الربيع روايات وعنعنة ... عمياء تسأل في آثار عنقاء

هومير ينشد مسحورًا ملاحمه ... وينشدون مديح الإبل والشاء

هنا شيء من روح «عاج الشقي على رسم يسائله» وقد بينا أن هذا من مذهب الشعراء قديم ضجر قريب الأمد.

من مغرب الشمس جاء الصبح منطلقًا ... يمسي مضيئًا وما يسعى لإمساء

يحيا به الناس أفراحًا سواسية ... كأسًا بكأس وإغراء بإغراء

هل هنا إعجاب مفرط بأساليب الأدب وبالمدينة الحديثة والحضارة الغربية؟ نعم ولكنه إعجاب مشوب بخوف فقراء «الدامر» وعلماء الإسلام المغروس في النفوس منذ النشأة الأولى.

قال الفكي ود دوليب من علماء السودان في القرن التاسع عشر الميلادي (الثالث عشر الهجري) (٢)

واختلفوا في رابع القرون ... هل ناقص أو كامل التكوين

أي هل تقوم الساعة في أوله وقبل أن يكتمل


(١) عدد الأولى قوم هود عليه السلام والآخرة قوم صالح عليه السلام ذكره في الجلالين وهذا مرتب على أنهم خلفوا عادا كما في سورة الأعراف. والله تعالى أعلم.
(٢) قصيدة «ود دوليب» مشهورة، والذي قرأناه منها على أنه هو هي في الصغر لم يبلغ عشرين بيتًا، ثم قد وجدنا منها ما جاوز المائة- وداخلته تنبؤات سياسية، فهل ذلك من الأصل أو زيد فيه؟ بعضه زيد بلا ريب إذ ليست فيه روح أسلوب الشيخ وسمته رحمه الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>