للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والغرض الثالث وهو ختام القصيدة وزبد معناها، اعتراف صريح بتمرد على ما أحاط به من بيئة محافظة من نفسه ونشأته ولغته وثقافة آبائه الفقراء الدامر المجاذيب ومجدهم وأورادهم واحتفالهم بالمولد:

صلينا مشتاقين ... ليست الكونين

صلينا مشتاقين ... لقرة العينين

وبرجية المعراج:

ردف السلام ... للنبي الإمام

صاحب المقام ... يوم الازدحام

وجهه كالسراج ... نوره وهاج

ليله المعراج ... كبروا له التاج

ومن أخريات نماذجهم وكبرياتهم والده الأستاذ العلامة الحافظ الشاعر المثقف أستاذ العربية بكلية غوردون وقد تخرج منها من قبل في أول دفعة كما تخرج ابنه هذا الشاعر من بعد، بارعًا في معارفها وفي اللغة الإنجليزية وآدابها وأفنديا مبنطلاً من صميم الجيل المتحرر الواعد الحديث.

ومع التمرد انتماء عميق وقيد الانتماء عتيق.

ضحكت منطلق الأنفاس مبتهجًا ... مع الحياة أحبتني وأهوائي

سكرت حبًا على صحو يلازمني ... في ظلمة الخمر حبًا غير نساء

في التعبير هنا عناء حبيبي المعدن. سكر الشاعر بحب العصر وفتنته ومع هذا السكر صحو ملازم هو الشعور بالانتماء والقديم- ولأمر ما حين شبه الشاعر افتنانه بحب التحرر الحديث بسكر الخمر ولذتها، جعل الخمر والسكر ظلمة- ولا يخفي أن الصحو الذي هو نور هو هذه المحافظة وهذا الانتماء.

أصارع الشعر كي تبدو حقيقته ... فيها حقيقة ميلادي وإنشائي

الرسم ذوبان في فتنة العصر الحديث. الشعر يتيح لي عرض الصراع الذي في نفسي بين الثورة والمحافظة. عدوى هذه الثورة وهي أنا. لا بد من القيد لترويضها وتذليلها. أنا ابن اللغة الفصحى وقيودها. لعنة على هذه الحرجات العربية الثورية التي تمزق عني ثوب مجدي القديم. مجد فقرائي علماء السيرة أهل الأوراد والأذكار والإسراء والمعراج.

<<  <  ج: ص:  >  >>