ملكت بها كفي فأنهرت فتقها ... يرى قائم من خلفها ما وراءها]
وصورة الحلي في عنق الكعاب، وصورة الثوب النادر الموشي المنمنم، ثم بعد هذا صورة الغني أبي البنات يبشر بمولود ذكر بعد طول يأس، ثم تختم كل هذه الصور الرفيعة بمقطع آية في البراعة وهو قوله:
كرقي الأسود والأراقم طالما ... نزعت حمات سخائم وحقود
وقد كان الغرض الذي قيلت القصيدة من أجله كما قدمنا اعتذاراً يستل سخيمة ابن أبي دؤاد، ويعيده إلى الرضا عن أبي تمام.
كل هذه البدائع التي تعرضها هذه القصيدة الفريدة من صنع الفكر المهذب في الدجى، والملكة اللفظية المتمكنة، مع شهوة للترنم ومعرفة بأصول الأنغام الشعرية.
وخذ مثالاً ثالثاً من كامليات أبي تمام: قصيدته: (١)
الحق أبلج والسيوف عوار ... فحذار من أسد العرين حذار
فقد قال هذه القصيدة يبرر بها إيقاع المعتصم بالأفشين خيذر بن كاوس الأشروسني وقد كان سيد قواد الخلافة، وحامي حمى الدولة، والذي قهر بابك الخرمي الثائر، الذي كان شوكة في بضيع الدولة العباسية. قال، يتحدث بلسان السلطان، ويذكر أن خيذر بن كاوس كان يسر الكفر ويكيد للدولة المكائد:
جالت بخيذر جولة المقدار ... فأحله الطغيان دار بوار
كم نعمةٍ لله كانت عنده ... فكأنها في غربةٍ وإسار
كسيت سبائب لؤمه فتضاءلت ... كتضاؤل الحسناء في الأطمار
موتورة طلب الإله بثأرها ... وكفى برب الثأر مدرك ثار