للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التي تتبع الألف بعد الهاء في الشطر الثاني، لقد روي الراوون أن الفرزدق سمع هذا البيت فسجد له إجلالًا وزعم لمن عابه على فعله هذا أنه يعرف سجدات الشعر كما يعرف القراء سجدات القرآن.

ولو ذهب تعدد المقاطع التي في هذه الأبيات لوجدتها تتراوح بين الثلاثين والتسعة والعشرين كما في البيتين. الأول والسادس، والسبعة والعشرين كما في البيت الخامس. ولا أزعم أن الشاعر تعمد كل هذا التنويع، ولكنها ملكته وبراعته ومقدرته. وإنما هو واجب النقد أن يكشف عن أسرار تلك المقدرة كيما يزيد استمتاع المستمتع بها.

وقال لبيد يشبه ناقته بحمار الوحش وأتانه وهما يجدان في طريقهما إلى موارد الماء.

فتنازعا سبطًا تطير ظلاله ... كدخان مشعلة يشب ضرامها (١)

مشمولة غلثت بنابت عرفج ... كدخان نار ساطع أسنامها

فمضى وقدمها وكانت عادة ... منه إذا هي عردت إقدامها

فتوسطا عرض السري وصدعا ... مسجورة متجاورًا قلامها

محفوفة وسط اليراع يظلها ... منه مصرع غابة وقيامها

تأمل من ناحية الموسيقا - مكان التنوين والمد. وأما من ناحية البلاغة والتصوير الشعري فهذه الأبيات نسج وحدها. خذ أولا تشبيه الغبار المتطاير من جري الحمار وأتانه بالدخان من نار مشعلة - وانظر كيف كرر الشاعر لك التشبيه ليقره في سمعك وقلبك. ثم انظر إلى قوله: "فتوسطا عرض السرى"، والسري)


(١) السبط: الممتد، وعنى به الغبار المتطاير من جريهما، وشبهه بدخان النار، ولا يخفى ما في قوله "تنازعا" من الجودة.

<<  <  ج: ص:  >  >>