للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوادي- ألا ترى أمامك صورة هذين الحمارين وسط الوادي وقد خاضا عينًا مسجورة ممتلئة فصدعا هدوءها حتى صارت لها نطق تتتابع مستديرة، حلقة بعد حلقة. ثم تأمل صورة العين كيف رسمها لك الشاعر، قلامها المتجاور ذا الأوراق العراض، والقنا الطوال المشرف على جوانبها، الناشر ظله عليها، بعضه ساقط مصرع وبعضه مستقيم قائم.

وقال يشبه ناقته بالبقرة الوحشية أفردت بالقفر في ليلة حالكة الظلام، ذات مطر وبرد، فجعلت تلتمس لنفسها مأوى بين الكثبان المتهايلة، وتبحث عن أصل شجرة أو شيء نحوه لتدس رأسها فيه من قطرات الوابل، وهو يصوب على ظهرها متتابعًا - قال:

باتت وأسبل واكف من ديمة ... يروى الخمائل دائمًا تسجامها

تجتاف أصلًا قالصًا متنبذا ... بعجوب أنقاء يميل هيامها

الأصل؛ يعني به أصل شجرة. وعجوب الأنقاء: سفوح الكثبان وأصولها.

يعلو طريقة متنها متواتر ... في ليلة كفر النجوم غمامها (١)

وتضيء في وجه الظلام منيرة ... كجمانة البحري سل نظامها

فتوجست رز الأنيس فراعها ... عن ظهر غيب والأنيس سقامها (٢)

فغدت كلا الفرجين تحسب أنه ... مولى المخافة خلفها وأمامها

انظر كيف رجح الشاعر كفة التنوين في البيتين الأولين على المد المطلق والحركات كأنما يحكي بذلك حالة الاضطراب والفزع ووجيب القلب الخائف الولهان.

ثم فرغ من كل هذا إلى تشبيه الناقة فأبدع ما شاء وافتن في التغني واستغلال


(١) يعلو فقارها مطر متواتر في ليلة غطى النجوم غمامها.
(٢) تسمعت صوت الناس بليل فراعها ذلك. -وهذا المعنى متداول كالمبتذل في الشعر الجاهلي.

<<  <  ج: ص:  >  >>